مشكلة عميقة؛ أن تنجر الصحافة العالمية وراء خطاب داعش الاعلامي، بترديد عبارات وجمل ينشرها التنظيم في بياناته، فيتحول خطها الاعلامي المهني إلى محاولة التذاكي على حساب هذه المعلومات.
تصدر صحيفة التايمز وتشير في افتتاحيتها؛ إلى "ان الملك الاردني عبد الله الثاني يواجه خطر خسارة الدعم الكامل من قبل ابناء شعبه"، فهذا هو موقف داعش وليست الحقائق في الاردن.
وأن تتجرأ الـ bbc فتوجه خطابا في وسائل اعلامها، يتضمن جملا فارغة من أي مضمون، على شاكلة؛ ان اهتمام الدولة الاردنية في قضية الطيار الاسير معاذ الكساسبة يعود فقط لأنه ابن عشيرة كبيرة في الاردن، وان تعرضه لأي مخاطر لا سمح الله سوف يتسبب بموقف جديد من قبل هذه العشائر ضد الدولة والنظام في الاردن، يؤشر بوضوح على ان هذه صورة منسوخة من خطاب واهداف تنظيم داعش.
دس السم في الدسم من قبل وسائل اعلام عالمية، لا يمكن ان يؤخذ من باب المعارك الاعلامية، ولا من باب البحث عن السبق الاعلامي والاثارة، لأنها مؤسسات مرتبطة بشكل ما بصناع القرار والمؤثرين في صناعة الرأي العام في بلادها والعالم، لهذا لا يمكن قراءة تقاريرها من باب الاجتهاد الصحافي، بل يجب التدقيق اكثر واكثر، عندما تصل الامور الى افتتاحية خاصة للتايمز.
التايمز ادعت في افتتاحيتها ـ بعد ذبح داعش الرهينة الياباني، كينجي غوتو ـ بأن كابوس عائلة معاذ الكساسبة، ما زال مستمرا، وأن وعود الحكومة الاردنية لضمان سلامة الكساسبة لم تثمر عن شيء، وأن الاردن الذي يُعدّ حليفا مهما في جهد التحالف الدولي لدحر تنظيم داعش، وأن أبناء الاردن غير راضين عن دور بلادهم في هذا الجهد، فعائلة الكساسبة وعشيرته انتقدتا بصورة علنية فشل الحكومة بحماية ابنائهما.
أسوأ ما في افتتاحية التايمز؛ الاستنتاج والاستغراب من الاستقرار الذي شهده الاردن منذ بدء ثورات الربيع العربي، الذي اعتبرته معجزة، وهذا لا يختلف كثيرا عن استنتاج اسبوعية الايكونومست البريطانية قبل شهرين، عندما وصفت الهدوء الذي يعيشه الاردن، بانه خارق للطبيعة.
طبعا لا أريد أن أشير أو أنقل حرفًا من افتتاحية صحيفة "يديعوت" العبرية أمس، التي شاركت في حلقات التشكيك بالاردن، كما دسّت سُمًا في اختلاف الموقفين الاردني والاميركي بخصوص صفقة الطيار الكساسبة، وذلك في وجه زيارة الملك إلى واشنطن.
بعيدا عن استنتاجات التايمز، واسئلة الـ bbc ، وقراءة الايكونومست، وخبث «يديعوت» التي يجب ان لا يُكتفى بالرد الاعلامي والسياسي عليها، بل علينا قراءة ما بين السطور على ما جاء في هذه المؤسسات الاعلامية الكبرى، والاجابة على اسئلتها الخبيثة حول اعتماد الدولة والنظام على العشائر، وليس على فكرة المواطنة، وأن اسباب الاستقرار في الاردن يعود الى التركيبة الديمغرافية، لا لصلابة الاستقرار السياسي والامني الحقيقي.
تبقى قضيتان نبهت لهما التايمز واشارت لهما الايكونومست، وهما عدم توافق الاردنيين على الحرب ضد داعش، ونسب تأييد الاردنيين لخط داعش، فهما تحتاجان ايضا الى عصف ذهني وفكري لصناع القرار في البلاد، حتى لو كانت استطلاعات الرأي كشفت عن وجود 15 % من الاردنيين يؤيدون داعش، فهذه النسبة مهما كانت قليلة فانــــها تحتاج الى معالـجة جذرية فكرية وسياسية معا.