القاسم المشترك الأكثر وضوحا بين الاقتصادات العربية هو قربها إلى الريعية، وتعزيزها ثقافة الاستهلاك والاستيراد، لا الإنتاج والتصدير. وهي كذلك تدار من قبل الحكومات، فيما يلعب القطاع الخاص أدوارا هامشية عموماً. وبين هذا وذاك، يتسلل الفساد إلى جسم الاقتصاد من خلال طبقة تضم متنفذين ومسؤولين ومراكز قوى.
لكن التباين كبير عندما يذهب العقل إلى المقارنة. ففي اليمن الذي يحتفظ باحتياطات من الغاز الطبيعي تفوق 70 تريليون قدم مكعب، تجد طوابير من أبناء محافطة عدن الجنوبية تحت حرارة الشمس لساعات، وأحيانا لأيام، من أجل الحصول على أسطوانة غاز للمنزل. فالعاصمة صنعاء التي يسيطر عليها مسلحو الحوثي اليوم، ترسل أقل من 20 % من معدلات استهلاك المدينة اليومية من الغاز. وفي بلد كالأردن لا يملك نفطا أو غازا، خفضت الحكومة سعر أسطوانة الغاز قبل أيام، وتتوفر حاجات المستهلكين ضمن نسق إداري وتخطيطي جيد.
وفي زنجبار؛ جنوب اليمن بمحافظة أبين، لا تكاد ترى بنية تحتية. فالغبار يملأ المكان، ومثله غبار المعارك والاشتباكات التي لا تنتهي، لتتوارى ملامح المدينة خلف هذا الفشل الاقتصادي الواضح، وقبله فشل النخبة السياسية التي تحكمت بمصير البلاد على مر عقود مريرة. فرغم أن الله وهب هاتيك البقاع ثروات زراعية ومعدنية وسمكية ونفطية، إلا أنها لم تستغل على نحو أمثل، ليبرز الفقر كتحد قاس لأبناء الجنوب في اليمن، رغم الكنوز الاقتصادية التي تحيط بهم من كل الجهات.
لا مجال لمقارنة البنية التحتية في الأردن، مع نظيرتها في اليمن أو ليبيا أو سورية أو العراق أو موريتانيا أو السودان. كما أن سر القوة البشرية في الأردن يجسد مصدرا أساسيا للمنافسة داخل البلاد وخارجها. ففي الطب والتعليم والإعلام والهندسة وسواها، يقدم الأردنيون نموذجا للنجاح والتميز في المحيط العربي، بينما أخفقت دول لديها ثروات كبيرة في التعليم وإعداد الأجيال القادرة على بناء الاقتصاد وتحقيق مستوى معيشي يوفر للفرد شروط العيش الكريم، فبات الفشل عنوانا فاضحا لدول عربية عديدة، نُهبت فيها الثروات، وتقاتل السياسيون، كما تفشى فيها الجهل والبطالة والفاقة.
تمكن الأردنيون بعد ثمانية عقود من تحقيق منجز يتعلق ببناء اقتصادي قابل للتطوير، وقبله إعداد إنسان قادر على تحسين أدواته من خلال مؤسسات تعليمية واقتصادية تسهل من تحديات التكيف وصناعة الفرق في الحياة. ففي الوقت الذي يسعى فيه علماء وأطباء أردنيون إلى علاج أمراض السرطان بالخلايا الجذعية، تبدو المستشفيات ومراكز العلاج في دول عربية عديدة موطنا للجهل والخراب والتجريب، على حساب صحة وسلامة مواطني هذه الدول.
ليست حديثا عاما عن المقارنات وحسب، بل هي دعوة إلى أن ينطلق المنجز الاقتصادي والبشري الأردني إلى فضاءات أكثر قوة ورسوخا، وأن تتحقق إرادة الإصلاح الاقتصادي لدينا بشكل حقيقي لا مواربة فيه، فنتخلص أيضا من تشوهات عصفت باقتصادات كثيرة، يقف في مقدمتها الفساد وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والدخل.