في زمن الأرصاد الجوية ومواقع الطقس المختلفة التي تنهمر عبر وسائل الفيض الاعلامي، ما زلت اعتمد –شخصيا- على تلك الأمثال التي كانت ترددها حماتي –رحمها الله- بمجرد النظر الى السماء، حتى انها نالت ثقة من حولها في قراءة الغيوم والضباب وحركة الرياح وترجمتها الى حكم وأمثال، فكان الكم الهائل من الأمثال لا يفاجأني بمقدار ما تفاجأني الدقة والصحة.
لم تأت هذه القراءات الأولية من فراغ بل هي نتاج سنوات من التجارب والخبرات الحياتية، وكما يقال اسأل مجرب ولا تسأل حكيم. فالهالة الضبابية حول القمر تؤكد هطول الأمطار، و»ان ضبضبت باكر احمل عصاتك وسافر، وان ضبضبت عصرية دورلك على مغارة دفية».
تحفل ذاكرتي «بسعد» الذي يعود بقوة في الخمسينية التي نحن فيها، وتمتد من 21 كانون الثاني حتى 12 آذار وتنقسم هذه الفترة إلى أربعة أقسام كل قسم مدته اثنا عشر يوما ونصف اليوم، وتبدأ بسعد الذابح وهي الفترة من 21 كانون الثاني إلى 3 شباط، وتعود التسيمة كما تؤكد حماتي، الى (سعد) الذي سافر مع بقرته في جو شديد البرودة، وفي الطريق هبت عاصفة ثلجية قوية قطعت سعد عن أهله، فحزنت أمه كثيرا، فطمانها الأب بأن سعداً قادر على تدبير أمره (فإن ذَبح فلن يُذبح، وإن لم يَذبح فسيُذبح)، ولم تفهم أم سعد معنى هذا الكلام إلى أن عاد سعد بعد مدة من الزمن وهو ملتحف بجلد البقرة التي ذبحها ليقي نفسه من شر البرد.
يليه سعد السعود ويمتد من 3 إلى 16 شباط ويقال « في سعد السعود تدب الماوية في العود ويدفأ كل مبرود» كناية عن الدفء وتدب الحياة في النباتات، أما سعد بلع فيمتد من 16 شباط إلى آذار واطلق عليه هذه التسمية لأن الأرض تبلع كل المياه، وسعد الخبايا ويمتد من 1 آذار وحتى 12 آذار ويقولون «في سعد الخبايا يطلعن الخبايا» «في سعد الخبايا بتتخطر الصبايا».وفيه تخرج الزواحف وهوام الأرض من مخابئها.
يظهر «سعد» ليكون نقطة ارتكاز وفواصل مناخية هامة ابدعتها عقول الأجداد بكل حرفيه وتناقلتها الألسن بكل ثقة بمفردات سلسة مألوفة وأقرب ما تكون الى الواقع، وبين الرواية الشعبية والعبرة استحقوا ان يكونوا خبراء للطقس بلا منازع.