فبداية، الملك سلمان، وولي عهده الأمير مقرن، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، كانوا في السنوات الأخيرة منخرطين بشكل أساسي في الملفات السياسية الإقليمية كافة، وذلك للظروف الصحية التي مرّ بها الملك الراحل في السنوات الأخيرة. ما يعني أنهم كانوا جزءاً من القرارات والسياسات السعودية في السنوات الماضية.
فليس متوقعا أن يحدث تغيير على العلاقات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة، والتي بدأت مع الملك المؤسس عبدالعزيز، واستمرت مع كل الملوك الذين تعاقبوا على المملكة من بعده، بالرغم من الاختلافات السياسية أحياناً والتي تتم معالجتها بدبلوماسية وهدوء. وما انعقاد القمة الأميركية-السعودية على هامش تقديم العزاء من قبل الرئيس أوباما إلاّ مؤشر على أهمية ومحورية تلك العلاقة للطرفين.
كذلك، فإن من غير المتوقع حدوث أي تغير في سياسة المملكة بشأن الحرب على الإرهاب، وبخاصة ضد تنظيم "داعش"، ليس فقط لاستمرار هذا التحدي، وإنما أيضاً لأن وزارة الداخلية هي تاريخياً المعنية بهذا الملف، والتي كان وما يزال يقودها الأمير محمد بن نايف الذي أصبح أيضا ولياً لولي العهد.
أما بالنسبة لإيران، فليس السعودية فقط، وإنما أيضاً بعض دول الخليج الأخرى، ما تزال تنظر للسياسة الإيرانية باعتبارها أكبر تهديد وجودي وليس سياسيا فقط، وذلك بسبب البرنامج النووي الإيراني من جهة، والسياسات الإيرانية في العراق وسورية واليمن ولبنان، وبعض دول الخليج الأخرى من جهة أخرى، والتي نجم عنها سيطرة إيرانية في هذه الدول، على حساب القوى السُنّية خصوصا التي تدعمها المملكة.
كذلك الحال بالنسبة للسياسة السعودية نحو سورية ومصر، فإنه ليس من المتوقع أن تشهد تغيراً كبيراً. إذ ستستمر السعودية بدعم الرئيس عبدالفتاح السيسي. لكنها لن نستطيع الاستمرار في تقديم الدعم المالي الذي قدمته له في البداية؛ بسبب تراجع أسعار النفط عالمياً، وانعكاساتها على موازنة الحكومة السعودية والتي ظهر فيها عجز للمرّة الأولى منذ سنوات. وبالنسبة لسورية، فلن يكون هناك تغيير يذكر، نظراً للتغيرات التي حصلت في الحرب الدائرة فيها وغياب الخيارات والبدائل.
أما على الصعيد الداخلي، فليس متوقعا أن يتم التراجع عن الإصلاحات الحذرة التي قدمها الملك الراحل عبدالله. ولكن ليس من المتوقع أن يتم الإسراع أو الشروع في عملية إصلاح جديدة، بالرغم من وصف ولي العهد بأنه "ليبرالي". وقد لا يعود ذلك لعدم الرغبة في الإصلاح، وإنما لأن غالبية الشعب السعودي محافظة، وأحياناً أكثر من قادتها، وكذلك للمحافظة على التوازن بين السلطة السياسية والسلطة الدينية المحافظة جداً، والتي غيرت مسيرة المملكة التاريخية.
عناصر الاستمرارية في السياسات السعودية موجودة في بنية النظام السعودي، وبحكم واقع وموقع القادة الجدد. وعليه، فمن المتوقع أن تسير السياسات المستقبلية كالمعتاد. ولكن على الرغم من أهمية الاستمرار في السياسة السابقة وعدم التغيير فيها لضمان استمرارية النظام، إلاّ أن ذلك قد لا يكون كافياً للتصدّي للتحديات التي تواجهها وستواجهها المملكة داخلياً وإقليمياً، والتي تتطلب نظرة جديدة، بخاصة فيما يتعلق بالوضع الداخلي؛ سواء كان ذلك على الصعيد الاقتصادي أم الاجتماعي.