الرغم من أنّ الأردن يتعامل بسريّة مطلقة مع موضوع الجهود غير المباشرة لاستعادة الطيّار الأردني معاذ الكساسبة، من يد تنظيم "داعش"، وهو إلى الآن لم يعلّق -وعلى الأغلب لن يفعل مباشرةً- على عرض التنظيم مبادلة الرهينة الياباني المتبقي (بعد أن تم قتل الأول) بساجدة الريشاوي (المحكومة بالإعدام أردنياً)؛ إلاّ أنّ الرد الأردني لا يحتاج إلى جواب رسمي معلن، فهو بواقع الحال "إنّ موضوع ساجدة مطروح ضمن صفقة إطلاق سراح معاذ، وحياته بالنسبة للأردن أولوية رئيسة، بالرغم من التعاطف مع اليابانيين، ومن الضغوط السياسية المتوقعة منهم على الأردن".
السؤال الأكثر أهمية من الموقف الأردني -فهو كما ذكرنا واضح بمضمونه ومحدّداته- يتعلق بالدلالات والرسائل التي تقف وراء عرض "داعش" على اليابانيين، بعد أن عدل التنظيم عن موقفه السابق، فقتل أحد الرهينتين وأبقى الآخر، ثم خلط الأوراق بزج ساجدة الريشاوي، وبالتالي الأردن، على الخطّ الساخن في الضغط على اليابان؟
البعض يرى في هذا العرض قدراً من "الخبث" من التنظيم لإحراج الأردن مع اليابان، ووضعه في زاوية حرجة؛ وهذا ممكن. لكن التنظيم يتجاوز هذه الحسابات الجزئية عندما يتعامل مع مثل هذه الموضوعات. فالدلالة -في ظني- تتجاوز ذلك إلى التلميح والإيحاء لما يتم حالياً في القناة الخلفية من جهود ووساطات إقليمية، غير مباشرة، لإطلاق سراح معاذ. ومن الواضح أن التنظيم يهدف بهذا العرض إلى إخراج ساجدة الريشاوي من "الصفقة الأردنية" المطروحة؛ بمعنى النظر إلى موضوع معاذ بوصفه مسألة أكبر من قصة ساجدة بالنسبة للتنظيم!
بالرغم من ذلك، يمكن أن يكون هذا العرض من قبل التنظيم مدخلاً لتوسيع مساحة الصفقة المطروحة للتبادل، بما يشمل الرهينة الياباني وساجدة ومعاذ الكساسبة وآخرين. وهو أمر تمّ سابقاً بين التنظيم وأطراف أخرى، مثل تركيا في صفقة تبادل الدبلوماسيين، والنظام السوري نفسه في كثير من الأوقات.
الخبر الجيّد في هذا الموضوع المربك والمعقّد، هو أنّه بالرغم من التعتيم الكامل المطبق من قبل الأجهزة المعنية المحددّة في موضوع الجهود المبذولة لاستعادة معاذ؛ وهو أمر متفهّم وضروري في مثل هذه المجالات، إلاّ أنّ عرض التنظيم موضوع ساجدة الريشاوي يشي بأنّه مهم وحيوي بالنسبة له، وأنّ التنظيم معني، فعلياً، باستعادتها. وهو، كما تذكرون، اقتراح كان أقرب، بصورة غير مباشرة، إلى الجانب الأردني، بينما كانت الأخبار الواردة والتلميحات والإشارات والرسائل المتتالية التي نلتقطها من أوساط التنظيم ومؤيديه، ومنها مقابلة معاذ الكساسبة، وأشرطة الفيديو المصورة التي تم إصدارها من قبل الجهاز الإعلامي للتنظيم عن رأي أنصاره بشأن مصير الطيار الأسير، لا تدفع إلى التفاؤل بقبول مبدأ الصفقة من قبل "داعش".
تبقى هناك جملة من الأسئلة المعلقة حول العرض المطروح، حتى تلك التي ترتبط بالتوافق داخل التنظيم نفسه في موضوع معاذ. وربما لاحظ مراقبون ومتابعون غياب أي إشارة من المؤسسات التابعة للتنظيم، والأهم أنه لا توجد صورة حية، والأكثر أهمية من كل ذلك أنّ العرض جاء على لسان الياباني نفسه، نقلاً عن التنظيم، وليس بصورة مباشرة. وهي مؤشرات يصعب الحسم بشأن تفسيرها ودلالاتها، وإن كانت مهمة مقارنةً بما يصدر عن التنظيم من خطاب إعلامي مدروس بعناية في العادة!.