في شأن رفع أسعار الكهرباء، تم الوصول إلى تسوية وسط؛ رفع بنسبة 7.5 % بدلا من 15 %. وهو حل مؤقت، لا يقدم علاجا حقيقيا للمشكلة، ولا ينهي الخلاف حول حقيقة الأرقام بالنسبة للدعم ولخسائر شركة الكهرباء الوطنية. هذا مع أننا طرحنا البديل الصحيح الذي لاقى قبولا لدى أعضاء اللجنة النيابية المشتركة، وهو نقل الدعم إلى فاتورة المستهلك إذا كان هناك ثمة حاجة حقا للدعم في ظلّ الأسعار الحالية للمشتقات النفطية، وهي الأسعار التي يدور حولها أيضا الكثير من الشكوك، ولم يتم يوما التيقن من صحة حساباتها.
في الحقيقة، إن نقل الدعم إلى فاتورة المستهلك ليس فكرة جديدة، بل مطروحة بقوة لجميع السلع، بما في ذلك الخبز؛ لتأمين الشفافية والوضوح في الدعم، وإغلاق الباب على قنوات الفساد والهدر، حيث يباع كل شيء في المحطات الوسيطة من دون تدخل الدولة، ولكن تحت رقابتها بالسعر التجاري المقرر، ويقدم الدعم إلى المواطن عند الشراء بتزويده ببطاقة متعددة الأغراض لشراء السلع المقررة وبالكميات المحددة، بالسعر المدعوم، على غرار البطاقات البنكية. والعملية ليست صعبة فنياً، بل يمكن ترتيبها خلال فترة بسيطة. وهي، من باب آخر، ستساهم في فرض ثقافة التوثيق والشفافية والتحول إلى المعاملات الإلكترونية.
والتحول إلى دعم فاتورة المستهلك على صعيد الكهرباء، هو مناسبة ممتازة لامتحان مبدأ التحول إلى دعم فاتورة المستهلك مباشرة، بسبب البساطة واليسر اللذين يمكن أن تتم بهما هذه العملية. إذ هناك عداد كهرباء عند كل مستهلك، وتصدر له فواتير إلكترونية، ويمكن بكبسة زر حساب الخصومات التي جرت للمواطنين، ثم تعديل وتكييف مبلغ الدعم أولا بأول مع الحقائق على الأرض، كما تظهر في استهلاك جميع الشرائح، بما في ذلك قطاعات الصناعة والسياحة والزراعة والخدمات.
أسلوب الدعم الحالي يديم تشوهات السوق والتنمية، وتغيب عنه الشفافية وحقائق الأرقام، ويفتح -كما نعلم- الباب واسعا للهدر والفساد. وفوق ذلك كله، فإنه يقدم لكل من يقيم على الأرض الأردنية، وعددهم يوازي نصف عدد الأردنيين.
الصيغة الحالية للدعم تمثل دورانا في الفراغ؛ فأنت تأخذ من الناس بيد لتعطيهم باليد الأخرى، ولا نعرف في النهاية حسابات الربح والخسارة الحقيقية للمواطنين وشرائحهم المختلفة. فالدولة في النهاية تدعم بمال المواطنين نفسه، ويتم رفع الرسوم والضرائب والأسعار لتوفير المال للدعم. والأصل في عملية الدعم أنها أخذ من مال الأغنياء لدعم استهلاك الفقراء، لكن هذا ليس مؤكدا بصيغة الدعم الراهنة، ناهيك عن ذهاب جزء وافر من الدعم في قنوات الهدر والفساد، وللمقيمين أو العابرين من غير الأردنيين.
إذا أردنا إنهاء التشوهات الاقتصادية العميقة، فيجب إخلاء يد الدولة كوسيط للبيع والشراء، وخصوصا في الحلقات الوسيطة بهدف الدعم؛ أي الشراء بسعر أغلى والبيع بسعر أدنى، كما يحدث في الكهرباء وفي الحبوب. بعبارة أخرى، إنهاء دورها نهائيا كتاجر، وتحولها إلى رقيب فقط؛ رقيب حازم على التجارة والأسعار عبر حلقاتها المختلفة، لكي تضمن أيضا التحصيل الصحيح للضرائب. وفي المقابل، رفع الرواتب بصورة مناسبة في القطاع العام والخاص، والدعم النقدي للأسر الفقيرة، وكذلك التأمين ضد البطالة. أمّا وأن ذلك لن يكون متاحا حاليا، فعلى الأقل لننقل الدعم المباشر إلى فاتورة المستهلك الأخير.