قبل سنوات عديدة كانت مراكز إسلامية وأحزاب تعمل على نشر الدعوة الإسلامية وبثها وفق نظرية دعوية جماعية، ذلك بعد أن كانت قد دخل بعضٌ منها حربا جهادية في افغانستان خرجت منها منتصرة لكن على عدو ثانوي "الاتحاد السوفييتي" وليس على عدو رئيس "اسرائيل والصهيونية"، فراحت تنشئ دور العبادة وتعليم القرآن والمراكز التطوعية والخدمية وتتغلغل في مفاصل المؤسسات الحكومية كالمدارس والنقابات والجامعات والقطاعات المختلفة، وخاضت مع أفول الشيوعية الأردنية معركة مع الدولة الأردنية كرّس خلالها الطرفان جهودهما للسيطرة على الشارع الأردني والتحوط عليه، وذلك بدأً من أواخر الثمانينيات، فقد بدا التيار الإسلامي السياسي منتشيا بالنصر ومستندا إليه للتدليل على الطرح الجديد الذي بدأ به، وأذكر فيما أذكر أنّ "دور القرآن" تلك كانت تقوم بأنشطة عدة سوى تعليم التجويد والمبادئ السياسية الإسلامية؛ منها أنشطة رياضية وطوعية….، وكان من بين تلك الأنشطة ترك التلاميذ يشاهدون أشرطة فيديو تظهر حال المسلمين في "البوسنة والهرسك" وحال المجاهدين الذين لبّوا دعوة الجهاد والدفاع عن أعراض المسلمين هناك.
وفي إحدى تلك الأمسيات شاهدت برفقة صبية آخرين مشاهد قتل واغتصاب يقوم بها جنود من "الصرب" بحق فتيات قيل إنّهن مسلمات، لقد كانت المشاهد مرعبة في الحقيقة، وبعد انتهاء الفيلم خرجنا من دار القرآن حانقين مستفزين إزاء ما شاهدناه بحق أخواتنا المسلمات، ولكي تَقصُر القصة ولا تطول تفاجأت بعد سنوات لاحقة من شرطي يوقِف سيارة صديقي الذي كان يقلّنا لعمان بغية التنزه في أحد مولاتها الجديدة، تفاجأت من أن الشرطي يحمل صورةََ مطلوبٍ أمني كان من زمرة الفتية الذين شاهدوا ذلك الفيلم، فوضع أمامنا الصورة وقال: "تعرفوه". لقد كان هو ذاته لكن بشارب رفيع ولحية بالكاد ارتسمت على طرفي محياه الأسمر، فقد صار مطلوبًا خطيرًا.
وفي يوم من الأيام أصرّ معلم مادة الحاسوب في إحدى المدارس التي عملت فيها معلما على أن يرينا فيلمًا ممتعًا، وللمفاجأة لم يكن الفيلم ممتعا بل هو قرص مدمج يحمل صور التعذيب التي حدثت في سجن أبو غريب العراقي، وبعد أيام جاء زميل آخر بقرص جديد ودعاني للمشاهدة، غير أني اعتذرت منه وقلت له: "اعذرني فأنا لا أحتمل رؤية هكذا مشاهد"، فقال إنه شيء سيسرّني وألحّ عليّ الحضور، وحين شاهدت الفيلم لم أشعر بحجم التقزز ذاته الذي شعرت به في المرة الفائتة؛ لكون الفيلم يحمل مشاهد لصور تقطيع أوصال أحد الجنود المحتلين في العراق، سؤالي هنا هل كنت سأكون إرهابيا أم جِهاديا أسوة بزملائي؟؟.
غير أني وبعد حادثة "شارلي أبدو" أخذت أتوصّل لاستنتاجات لافتة، منها أن حادثة المتجر اليهودي لا علاقة لها برسوم الإساءة للرسول، لكون طاقم الجريدة هو المسؤول عن الرسم المسيء وليس زبائن ذلك المتجر، ثم أن جرم الإساءة المتمثلة بالرسم الكاريكاتوري لا يزن شيئا لو قورن بجرم الاعتداء على مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في القدس، فهل ثمة بروبوغندا إعلامية جعلت المسلم يحيد عن مركز الصراع العربي وهو القدس لصالح رتوش هامشية ونزوات رسام لا أكثر؟، هل كان يدرك من شحنوا عقولنا أن الإسلام رحيم ومتسامح حتى في ساحات القتال؟، كما أنه لا يعامل بالمثل، أليس هناك تشكيك إسلامي عريض من جدوى الدولة الإسلامية "داعش" ومدى أهلية عملها وقانونيتها شرعيا، فمحمد عليه السلام حين نفي وعشيرته إلى شعب أبي طالب لم يعلن دولته وهو يعلم أن إعلان دولة دون بنى تحتية يعني إعلان دولة من رمل. تتقاطع في ذهني حوادث ومواقف عديدة لكنها تصل وبعسر شديد إلى أن مركز الصراع الديني "الإسلامي – اليهودي" هو الأقصى وليس مكانا آخر. هناك من يريد أن يصبغ الإسلام بالإرهاب.