قبل أسابيع مرت ذكرى مولد رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وأقيمت الاحتفالات بمولده الشريف في كثير من العواصم العربية والإسلامية، عند من يجيز ذلك من المسلمين، وبعيدا عن الاختلافات الموسمية حول حكم الاحتفال بمولده، فإن محبة النبي وتعظيمه، تعد قدرا مشتركا يلتقي عليه جميع المسلمين.
محبة الرسول الكريم تتأتى من كونه هو الذي جاء برسالة السماء الهادية للناس جميعا إلى قيام الساعة، فرسالته هي الرسالة الخاتمة لرسالات السماء، وهو النبي الخاتم لمسيرة الأنبياء، فلا نبي بعده، فبه اكتملت سلسلة النبوة، وقامت حجة الله على خلقه، وبوفاته انتقلت مهمة التبليغ إلى أمته التي جعلها الله أمة الوسط، التي تقوم بمهمة الشهود الدعوي والحضاري على الأمم الأخرى.
محبة الرسول ينبغي أن تكون شعيرة عظيمة من شعائر الدين، ولا يكون ذلك إلا بتعظيم الأوامر والتكاليف التي جاء بها، واجتناب النواهي التي أمر باجتنابها، بما نقله عن ربه في القرآن الكريم، وبما بينه وفصله في سنته الشريفة، فأعظم مظهر من مظاهر محبته اتباعه فيما جاء به، والالتزام بهديه وتوجيهاته وإرشاداته.
حينما يتجدد الكلام هذه الأيام على الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة السلام، على خلفية الهجوم على الصحيفة الفرنسية «شارلي ايبدو»، فإن الواجب الشرعي والديني يملي على المسلمين إظهار محبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه أغلى عليهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم وسائر الدنيا بكل ما فيها، وأنهم يغضبون غضبا شديدا من تلك الممارسات الهوجاء التي تستهدف رسولهم بالإساءة إليه والسخرية منه.
لو كان للمسلمين (رسميا وشعبيا) شأن كبير في هذا العالم، لما تجرأ السفهاء من الخلق على الإساءة لسيد الخلق، لأنه لا رادع لأولئك السفهاء إلا بطش القانون وصرامته، فحينما تتحول الإساءة إلى المقدسات الدينية وعلى رأسها الإساءة للرسل، جريمة نكراء في سائر قوانين الأرض، تعاقب عليها بأقسى ألوان العقوبات وأشدها، فلن نرَ بعدها ذلك التطاول على رسولنا الكريم، وتلك الإساءات المتكررة التي باتت موضة شائعة في العواصم الأوروبية هذه الأيام.
حينما يتأخر العالم الإسلامي (رسميا وشعبيا) عن أداء واجبه في الدفاع عن رسوله عليه الصلاة والسلام، أمام حملات الإساءة المتكاثرة، بالطرق القانونية والدبلوماسية والسياسية، وحينما يزداد تطاول المتطاولين، من غير أن يجدوا من يردعهم ويأخذ على أيديهم، فإن من المتوقع وقوع مثل حادثة الهجوم على الصحيفة الفرنسية (هذا إن صحت فصول الرواية وفق المعلن عنها).
أليس الرسول الكريم هو رسول جميع المسلمين، بما فيهم الزعماء والرؤوساء وقادة الدول الإسلامية؟ فلماذا لا تكون قضية الدفاع عنه هي قضيتهم الأولى؟ لماذا لا يغضبون لرسولهم كما يغضب أحدهم لنفسه إذا ما أسيء إليه أو شُهر به؟ لماذا لا يبذلون أية جهود تذكر في هذا الميدان؟ لماذا لا يسارعون إلى استنكار ورفض كل المظاهر المسيئة إليه كما يسارعون إلى إدانة الإرهاب ومحاربته؟ لماذا لا يشرحون للعالم بأسره أن المسلمين لا يمكنهم احتمال كل هذه الإساءات لرسولهم؟.
هذه قضية لا يمكن السكوت عليها، لأنها قضية عقيدة ودين، وهي تثير غضب مئات الملايين من المسلمين في هذا العالم، وتجعلهم يكرهون ويبغضون كل من يسيء إلى نبيهم، ويتعرض له بالأذى، ولا يمكن بحال التغاضي عن كل الأفعال المشينة باسم حرية الرأي والتعبير، فثمة سقوف تلجم تلك الحرية في كل ديمقراطيات العالم، فلم لا تكون الإساءة إلى الرسل جريمة يستحق فاعلها عقوبة رادعة؟.
إن لم تكن ثمة عقوبات رادعة، فإن صرعة الإساءة للرسول عليه الصلاة والسلام ستزداد وربما تأخذ طابع الحملات الواسعة، كردة فعل هوجاء، فمن «أمن العقوبة أساء الأدب»، ما يعني أن على الدول العربية والإسلامية تبني تلك القضية بجدية، ورفعها إلى مستوى القضايا الملحة والهامة، والسعي المتواصل لتفهيم زعماء الدول الغربية وصناع الرأي فيها مدى خطورة هذه القضية وحساسيتها عند المسلمين، وأن ثمة ضرورة لردع كل مظاهر الإساءة والتهجم على الرسول عليه الصلاة والسلام.
إن تكاثر مظاهر الإساءة للرسول عليه الصلاة والسلام في الدول الأوروبية، مع عدم وجود موقف رسمي إسلامي جاد ومؤثر وفاعل ورادع، سيبقي الساحة مفتوحة لتكرار مثل حادثة الهجوم على صحيفة «شارلي ايبدو»، وسيولد مزيدا من الحوادث الدامية في عواصم عالمية مختلفة، فهل يتنبه عقلا أمريكا وأوروبا لذلك فيعالجوا الأسباب قبل وقوع الفواجع والكوارث؟