كل شيء يمكن أن يسلب من الإنسان إلا عقله وعلمه ومعرفته، إنها مصانة فيه، متعمقة في ذاته، لا يأخذها منه خصم أو عدو مهما بلغت قوته، إنها في الإنسان مثلما هي في الوطن، ثروة عظيمة لها قوتها الهائلة إذا أحسن استخدامها.
الإنسان ليس خط الدفاع الأول وحسب، إنه سلاح عابر للحدود بالمعنى الايجابي، والاستثمار فيه أهم من الاستثمار به، وتلك حقيقة نعرفها في هذا البلد منذ أن رفع الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه شعاره الاستراتيجي « الإنسان أغلى ما نملك « وقيل إن الشعار رفع في وجه تقارير دولية تصنف الأردن في خانة الدول الضعيفة بسبب شح مواردها الطبيعية، وضعف بنيتها الاقتصادية !
لقد استخدم الشعار فيما بعد ضمن منظار ضيق رغم أنه حقيقي، أي الإنسان الأردني هو محل عناية فائقة من قيادته، وهو محور التنمية الشاملة، ولكن وصفي له بأنه شعار استراتيجي، يدفعني إلى التركيز على قضيتين رئيسيتين من بين قضايا رئيسية كثيرة، إنهما التعليم والصحة.
نعم هناك الكثير من الاستراتيجيات والخطط الموضوعة، وهناك الكثير من الانجازات في القطاعين المتلازمين، إلا أن إهمال فلسفة التعليم، وفلسفة الصحة، أضعف بنيتهما، وأوجد قدرا من العبثية والتردد، والتراجع أحيانا، فغياب التفكير عن حل المشكلات القائمة أو المحتملة، واستبدال حب المعرفة بكراهية المدرسة والجامعة، واقتصار الصحة على العلاج بدل أن تكون نهجا يكمل العقل، ويضمن حيوية الدولة والمجتمع، كلها عوامل تجعلنا نراوح في مكاننا، رغم كل ما نملكه من قدرات وخبرات فائقة في هذين القطاعين !
اليوم نحن في أشد الحاجة للإنسان مكتمل المعرفة والصحة، وهو مصدر قوتنا الحقيقية في تصدينا للإرهاب الناجم عن الجهل، والاعتلال النفسي والاجتماعي، وفي الدفاع عن مكاسبنا الوطنية، وصيانة مؤسساتنا الحكومية والأهلية من التراخي والوهن، وفي تحقيق طموحاتنا المشروعة، ونهضتنا الشاملة.
مسيرة الإصلاح بناء على الإرادة والمشاريع وحدهما، قد تتعثر ما لم نمتلك فلسفة قائمة على ديمومة التفكير في كل شيء، حتى في التفكير ذاته، وإلا ستظل معرفة الخلل والتحدث عنه هي آخر حدود معرفتنا !