اخبار البلد - اختارت جبهة العمل الإسلامي العزف المنفرد مرة أخرى في نشاطها السياسي وفضّلت المسيرات والتجمعات العامة المطالبة بإصلاح النظام بدلا من الجلوس على طاولة واحدة مع كافة القوى السياسية والاجتماعية الأخرى للوصول إلى توافق وطني حول قانوني الانتخاب والأحزاب والتشريعات الناظمة للعمل السياسي ضمن لجنة الحوار الوطني.
ولا يعد هذا الموقف مستغربا بل متوقعا. وبالنسبة لجبهة العمل الإسلامي فإن ميزان المكاسب والكلف السياسية يبدو أفضل في حال الاستمرار في النشاط الجماهيري وقيادة تيار المعارضة ورفض المقترحات البديلة ، مقارنة بكلفة سياسية لم يعتد عليها الإسلاميون في الجلوس كشركاء مع الآخرين والقبول بما تتوافق عليه قوى الأغلبية. عندما قدم الإسلاميون أربعة شروط مسبقة للمشاركة في لجنة الحوار الوطني لم يكن الأمر يتعلق بنوعية وماهية هذه الشروط ، فلو اشترط الحزب أن يتم استخدام اللون الأخضر في أوراق توثيق الاجتماعات وتمت الموافقة على ذلك مسبقا فهذا يعني أن الحزب سيجلس على الطاولة ليس كشريك متوازن مع آخرين بل كجهة صاحبة سطوة ورأي مسبق تريد فرضه.
كنا دائما نخشى أن الإسلاميين في كل الدول العربية غير قادرين على الارتقاء إلى درجة القبول برأي الأغلبية ضمن منبر حواري مفتوح وانهم يفضلون التمسك برأيهم والذي يكون في العادة رفضا لما هو مطروح بدلا من تقديم البدائل العملية ويبدو أن هذه الخشية في مكانها في الحالة الأردنية أيضا. ومنذ المشاركة الإسلامية في لجنة الميثاق الوطني في العام 1991 اكتفت جبهة العمل الإسلامي وحركة الإخوان المسلمين بالتمتع بحق النقض والرفض لكافة المبادرات السياسية بدون أن تشارك بشكل فعال في مبادرة بديلة مع القوى السياسية الأخرى سواء أكانت من المعارضة أم من القوى القريبة من الدولة.
أشار رئيس لجنة الحوار الوطني طاهر المصري إلى رغبة اللجنة بوجود الإسلاميين فيها وهذا صحيح ، كما أن جلالة الملك نفسه استقبل قيادات الإسلاميين على مأدبة غذاء وفي جو ودي وصريح وأكد لهم جدية الإصلاح وأهمية مشاركة الجميع في هذه العملية ، لكن حسابات الإسلاميين لا تتوافق مع مبدأ المشاركة والالتزام برأي الأغلبية فمن الأسهل دائما لعب دور قائد المعارضة أو الضحية الممنوعة من التعبير وفي النهاية يكون الرفض لما هو مطروح أفضل سياسيا من اتخاذ موقف إيجابي في تطوير البدائل.
يطالب الإسلاميون بإصلاحات دستورية وبحكومات منتخبة ، وفي حال وجود توافق وطني على هذه الإصلاحات فإن هنالك عشرات التفاصيل الدستورية والسياسية والفنية التي تجب مناقشتها من أجل الوصول إلى هذا الهدف الإستراتيجي وهذا لن يتم بالمسيرات والتصريحات الإعلامية والخطابات بل بالجلوس على طاولة حوار وبشكل ديمقراطي ومتساو مع القوى السياسية الأخرى للبحث في كافة البدائل.
تملك جبهة العمل الإسلامي دائما خيار التحول من موقف معارضة دائم إلى المساهمة الفعالة في هذه الفرصة الاستثنائية المتاحة للتغيير والإصلاح لكن هذا يتطلب منها أن تملك الجرأة لمغادرة مساحة الأمان التي اعتادت عليها في السنوات الماضية وتحمل مسؤولية المشاركة في حوار وطني نعرف أنه في النهاية يتطلب قبول الأقلية برأي الأغلبية والقبول بتوافقات على القضايا المشتركة من أجل المصلحة العامة ، فهل يمتلك الإسلاميون الجرأة لفعل ذلك؟