أخبار البلد - د. سلامه طناش
يواجه التعليم العالي في الأردن تحديات قد يبدو بعضها مرئيا لكل المهتمين بشؤونه. ولكن في كثير من الأحيان لا تبدو هذه التحديات مرئية لكثيرين آخرين. فقيادة التعليم والتعليم العالي قد تواجه حالات من عدم الإدراك للفوضى المنظمية، أو تشارك فيها عن قصد، أو غير قصد. ويتمثل ذلك في جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية. إذ تتمثل الفوضى المنظمية في أربعة أنواع من الغموض: غموض الهدف؛ وغموض القوة أو النفوذ؛ وغموض الخبرة؛ وأخيرا غموض النجاح.
إن هذه الأنواع الأربعة من الغموض بالنسبة لمن يتبنى قيادة التعليم أو التعليم العالي تعتبر أساسية وبقلب التفسيرات العادية لعملية القيادة. إذ عندما يكون الهدف غامضا فإن عملية اتخاذ القرار تصبح مشكلة قابلة للجدل، وتكون عملية مشكوكا فيها. وعندما تكون القوة (أي النفوذ) غامضة تصبح نظريات النظام الاجتماعي، والضبط الاجتماعي مشكلة قابلة للجدل أيضا. وعندما تكون الخبرة غامضة وغير متقنة، تصبح نظريات التعليم والتكيف مشكلة قابلة للجدل. وعندما يكون النجاح غامضا، تصبح نظريات الدافعية، والاستماع الشخصي مشكلة مشكوكا فيها.
ووفقا لذلك فإن أي شخص يمكن له أن يتمثل الدور القيادي لمؤسسات التعليم والتعليم العالي، وأن يلقي محاضرة عن كل ما يخطر بباله عن التعليم والتعليم العالي. لكن ليس بالضرورة أن يستمع له أي شخص بشكل طوعي، لأن مثل هذه الخطب والمحاضرات وحتى المقالات، وما شابهها ما هي إلا تمارين مفهومة جيدا في الخطب الاجتماعية والسياسية، ومع تغيير بسيط في محتوى العمليات لإنتاج أهداف إما عديمة المعنى، أو مشكوكا في صحتها. وهكذا ينتج الغموض غموضا آخر أكثر تعقيدا للمشهد الاجتماعي السياسي. وبالتالي للرؤية المستقبلية، واستنباط مكونات النفوذ باعتبارها مصيدة لاجتذاب الآخرين من متخذي القرار. إن فكرة المصيدة في النفوذ منتشرة هنا وهناك، وذلك لاجتذابها البعد الاجتماعي السياسي. ومثلها في ذلك مثل الذكاء أو الدفاع، أو المنفعة، لكونها تميل إلى البساطة اللغوية الظاهرة، بينما هي فعليا خادعة، وعرضة للتقلب والتغير واستنباط للحشو والإذلال.
إن قوة تحريك التعليم والتعليم العالي ضمن هذه الفوضى المنظمية هو أمر في غاية الخطورة على المجتمع ومستقبله. لان متخذ القرار يرى في نفسه القدرة على تحريك مجمل العوامل، وليكتشف لاحقا أنه قدوة ضعيفة، لأنه يرتكز على قوى أخرى، ونفوذا قد يبدي تذمرا من شكوى الآخرين لتلك القوة، وليبحث عن مبررات مكتبية. وليصبح المكتب مصدر قوته وليس النموذج الإداري الذي تبنى نفسه. وتصبح بعد ذلك الأفكار والآراء ربطا للعلاقات وهي مصدر القوة والنفوذ. وهكذا تكتنز الخبرة غموضا رغما عن أنفه، لأن الاستنتاجات المكتسبة والمستنبطة ما هي إلا تراكيب مشوهة غير متسقة مع القرار أو الهدف أو العمليات. فالعالم الذي يعيشه في غاية التعقيد، والتغير والتبدل، والتنوع للأهداف والنفوذ. ومهما حاول التبديل والتغيير سيكتشف ضآلة نفسه، وفقا لما يقوم به الآخرين، ولينام مهموما قلقا نتيجة لكثافة الغموض الذي يعيش.
وهكذا، وبعد عمر مديد يأتي النجاح مخيبا غامضا غير ملموس. ومجمل النجاح الحاصل هو في الواقع إن وجد ليس من نتائج التقييم العلمي لتخطيطه الاستراتيجي، وإنما وفقا للفرص المتوفرة، والتي توافرت منذ سنين. وهنا يلعب الزمن دوره في عجلة النجاح أو الفشل النسبي. ويبدو البحث في التخفيف من الأعباء والإعياء فرصة أخرى وقابلة للاحتمال. واستجابة المسؤول في التعليم والتعليم العالي هي مبحث شخصي لبناء أسس يمكن أن تكون معقولة في الواجهة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فهل السلوك القيادي في التعليم والتعليم العالي يبحث في مجمل غموض الهدف الشخصي، وغموض النفوذ الشخصي، وغموض الخبرة الشخصية، لإنتاج النجاح للمجتمع وتخفيض حدة الفوضى المنظمية؟!
* أستاذ إدارة التعليم العالي/ الجامعة الأردنية