هيثم العسلي
حينما تصدر هيئة مدنية أو حزبا وطنيا ما بيانا يعارض فيه توجهات الدولة التي يمارس نشاطه السياسي فيها فإن ذلك يبقى ضمن حدود المقبول خاصة اذا كان نشاط هذا الحزب او ذاك او هذه الجماعة او تلك نشاطا وطنيا خالصا ودونما ارتباط بأي جهة خارجية ترعاه وان يكون نشاطه موجها نحو رفعة الوطن واعلاء شأنه والمحافظة على أمنه ودستوره الذي يحكمه نظامه الذي انبثق من خلال الدستور المتفق عليه من قبل جميع الاطياف فأن ذلك يبقى في حدود المقبول فالخلاف في الرأي لايفسد للود او الوطنية قضية والخلاف في الرأي والاجتهاد ظاهرة صحية في المجتمعات المدنية المتحضرة التي تمارس الديمقراطية بشكل او بآخر ...
ما يثير الغضب والاشمئزاز والريبة بل يكاد ان يقطع شكوكا باليقين ان يطلق حزب ما او هيئة ما بيانا تحذر فيه النظام او حكومته من المضي قدما في الانضواء تحت تحالف دولي شرع لتوّه في محاربة الارهاب الذي يهدد الجميع وسأدخل في مقالتي مباشرة حول مشاركة الأردن في الحرب على الارهاب الداعشي في سوريا والعراق الذي ما انفك يطلق التهديدات ضد الاردن وأنه الهدف القادم بل والهدف او الصيد الثمين القادم إذ اصدرت جماعة الاخوان المسلمون " قدّس الله سرّها " بيانا نارياَ رفضت فيه انخراط الاردن في حلف تقوده امريكا وتعتبره تدخلا سافرا في شؤون الدول العربية الأخرى بدعوى اثارة الفتن .. وانهم يستنكرون منهج التشدد والغلو في الدين وما ينتج عن ذلك من تصرفات .. وأن هنالك مؤآمرة ضد الدول العربية والاسلامية ...الى آخر الديباجة المعروفة .... هذا كله جميل جدا وضمن حدود المقبول ولكن ان يتضمن بيانهم " قدّس الله سرّهم وفّرج عنهم كربهم " واقتبس منه " ... فان اميركا وجدت ضالتها في اعتماد المشروع الايراني شرطيا جديدا يتقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة العربية, بدءاَ من لبنان الى صنعاء مرورا ب دمشق وبغداد والبحرين وبقية الخليج, حيث تمكنت ايران من ترسيخ نفوذها واختراق المنطقة تمهيدا لاعادة تقسيمها ورسم خرائطها من جديد...." ... اني اقولها وبكل صراحة انكم قلتم قول الحق وكلام الحق لكنكم اردتم به باطلا
لابد من التذكير بأبرز توجهات ومواقف جماعة الاخوان المسلمون فهم اول من طبّل وزمّر لمجي ء الخميني الى السطة عام 1979 واستشهدتم بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله يبعث على كل رأس قرن هجري من يجدد دينه .. ان الأخوان السمليمن يدّعون ويتبجحون ويتشدقون بانهم قاموا بحماية النظام الاردني اثناء احداث عام 1970 بعدم مشاركتهم في تلك الاحداث وعدم انقلابهم على النظام والشرعية الدينية والتاريخية والدستورية وكذلك ما جرى في معان عام 1988 او ما يطلق عليها البعض " هبة نيسان "
يتناقض ما يدّعونه مع ممارساتهم في السنوات الأخيرة الثلاث اي منذ بدء ما سًمّي بالربيع العربي حيث انتهزوا فرصة انطلاق الحراك الشعبي الذي بدأ سلميا لاسقاط حكومة الرفاعي الحفيد في وكانوا انتهازيين بامتياز فبعد انطلاق الحراك ركبوا الموج بعدما قاطعوا الانتحابات النيابية ولدورتين " دورة الدبلوم والدورة الحالية " وحاولوا تجيير الحراك لصالحهم على انهم هم من قاموا به ورفعوا راياتهم الخضراء " الاسلام هو الحل" في حين رفع الحراكيون العلم الأردني في نفس الوقت الذي كانوا يتفاوضون فيه مع الرفاعي الحفيد للحصول على اربع مناصب وزارية منها التربية والتعليم على وجه الخصوص وفيما بعد استولوا على نقابة المعلمين التي انشأت فيما بعد ولما اقيلت حكومة الرفاعي لم يعد لديهم الا الشارع وايام الجمع لكي يمارسوا احتجاجاتهم وتعطشهم للسلطة والحكم على غرار توأمهم في مصر ..
ازدادوا بعد ذلك شططا حينما استعرضوا عناصرهم باللباس العسكري التي خُيّل للحكومات الاجنبية وللشارع الداخلي بأنه استعراض ميليشياوي لا لبس فيه وهم من طالب باسقاط النظام صراحة على اكثر من منبر وفي نفس الوقت كانوا يتفاوضون سرا وفي الدهاليز وخلف الابواب المغلقة في واشنطن وغرها من المدن الامريكية حتى طلعوا علينا بمصطلح " الملكية الدستورية " الذي صار علكة يلوكها كل انسان يشارك في كربلائياتهم الجمعوية دونما يدري ماهيته او انعكاساته ونتائجه على الوطن وحينما جاء الاسلاميون الى الحكم في القاهرة واستلموا سدته حاول الاخوان المسلمون هنا الضغط على النظام عن طريق توأمهم المصري لقطع امدادات الغاز عن الاردن مما حدى به استراد النفط الثقيل لغايات توليد الكهرباء حيث تضاعفت اسعار الكهرباء وكافة السلع تبعا لذلك ودفع المواطن الأردني ثمن هذا الموقف ..
ثم ابتكروا اساليب جهنمية لاثارة الشارع وتأليبه على نظامه عن طريق محاولات استمالة العشائر وهم المكون الاساسي من الاردنيين وهم ظهير النظام ودعامة استقراره كمثلهم من المكونات الأخرى حيث ان معظم قادتهم هم من ابناء العشائر الاردنية الذين فتحوا ابواقهم جهارا نهارا وفي كل محفل والمطالبة باسقاط النظام علنا ومازالوا ينكرون ذلك بينما حينما يختلون بأنفسهم يزدادون مطالبة ولولا خوفهم من الشارع الاردني لكانوا قد اصدروا فتوى بتكفير النظام وضرورة التخلص منه بالثورة او العصيان المدني الذي دعوا اليه اكثر من مرة وما اضراب المعلمين المتكرر الا احدى صور ذلك ففشلوا في استمالة المكون العشائري فاتجهوا نحو المكون الفلسطيني في المخيمات وفشلوا ايضا بفضل وعي هذا المكون ورفضه لطروحاتهم الشاذة وغير المقبولة بالرغم من ان ما نسبته 85% من اعضاء الجماعة وواجهتهم السياسية " حزب جبهة العمل الاسلامي " هم من المكون الفلسطيني وهذه حقيقة لا يستطيع انكارها احد فازدادت الجماعة عزلة وبعدا عن قاعدتها الشعبية وبدات شعبيتها بالتلاشي حتى اضمحلت وكادت ان تنتهي الا إن الظروف الاقليمية تحول دون ذلك فتخدمهم الظروف احيانا
اما عن موضوع توأمتهم مع تنظيم مع تنظيم عربي آخر وتحديدا حماس في غزة فحدث ولا حرج فمعظم قادة هذا التنظيم يتمتعون بالجنسية الاردنية الى جانب كونهم فلسطينيو الاصل والموطن وحماس هذه هي من ارتمت في الاحضان الفارسية وتعاونت مع حزب الله الايراني في لبنان لكن ايران وحزبها في لبنان لم يطلقا قذيفة واحدة ولا صاروخا واحدا لمحو اسرائيل من الوجود اثناء هجوميها على غزة في 2012 و 2014 للانتصار للمقاومة الحمساوية هناك ... ما قلته هو ايجاز لابرز محطاتهم وتاريخهم لكي اربطه ببيانهم الناري الذي اصدروه قبل عدة ايام من رفضهم اشتراك الاردن في محاربة الارهاب الداعشي في عقر داره واتهام النظام الاردني بزج ابناءنا في حرب ليست لنا ويتناسون انهم هم من كان يحث على محاربة النظام السوري ويدعم الاخوان المسلمين هناك الذي تدعمه ايران حليفة حماس واحد قادتهم " همّام سعيد" قال انه سيكون اول متطوع ضمن الجيش الامريكي اذا ما هاجمت امريكا سوريا .. السياسة تُعرف بأنها فن الممكن ولكن اي ممكن ان اتحالف مع عدو صديقي ومذهبي تارة واحارب صديق عدوي في نفس الوقت اذ لاتصبح السياسة هنا فنا للممكن بل استعباطا وغباء فهاهم يستنكرون تحالف امريكا واسرائيل مع ايران هذا الثالوث الذي بدأ في مشروع تقسيم المنطقة منذ غزو امريكا للعراق واحتلاله والغاء نظامه عام 2003 وتسليمه على طبق من ذهب لايران مكافئة لها على تسهيل احتلالها للعراق ليتم قتل السنة والقضاء عليهم وبناء الهلال الشيعي .. في السيرك يصفق الجمهور للمهرج او البهلوان او الساحر الذي يحرك الكرات او اوراق لعب " الشدّة" من مكان لاخر لكن الاخوان المسلمون حينما يحركون بنادقهم من كتف الى كتف لايجيدون ذلك ولذا لا يعجبون احدا فهاهم يخسرون الرهانات الواحدة تلو الأخرى ...
المصلحة تعرف بأنها جلب منفعة او دفع مفسدة فهل تطبقون هذا المنهج في تحالفاتكم مع حماس حليفة ايران التي تستنكرونها الان ...؟؟؟ الإن تنظيم داعش قد انبثق من القاعدة التي انبثقت من السلفيين الذين ولدوا من رحم الجماعة وانبثقوا عنها فابي مصعب الزرقاوي حبنما اصيب في افغانستان وقطعت ساقه وعولج في ايران وتدرب فيها ثم اسس جبهة انصار الاسلام ثم انصار السنّة في الموصل وشمال العراق واتهم على اثر ذلك النظام العراقي بانه ينسق مع القاعدة وانه مسؤول عن احداث 11 سبتمبر 2001 ثم تبين كذب ذلك الادعاء من قبل من اطلقوه وحينما قتل ابي مصعب الزرقاوي القاعدي المنهج والفكر والايراني التدريب ذهبتم لاداء واجب العزاء واعتبرتموه شهيدا وعلى اثر مقتله تم تأسيس نظام داعش الذي تستنكروا التحالف الدولي للقضاء عليه بعدما اشتهر بفضائعه وقسوته وارتكابه الجرائم ضد الانسانية وهو ليس من الدين الاسلامي في شيء وفوق هذا تستنكرون المشروع الامريكي في جعل ايران الفارسية الشيعية شرطيا ودولة اقليمية وانتم أول من طبّل وزمّر ومجّد لايات الله في أوكارهم في كل من قم وطهران منذ وصولهم للسلطة عام 1979 واستشهدتم بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بان الله يبعث على رأس كل قرن من يجدد دينه وانتم تعلمون من الذي جاء به للسلطة كما تعلمون من الذي دعم انشاء الجماعة عام 1946 واين بالتحديد في عاصمة الضباب ..!!!
كفاكم كذبا وكفاكم لعبا وكفاكم تشدقا وعودوا إلى واجبكم الدعوي الذي انشئتم من اجله أوقوموا بيع سلعتكم في مكان آخر قد تستغبون فيه اناسا جهلة لفترة من الوقت قبل ان يتم اكتشافكم وبيان حقيقتكم فمواقفكم معروفة ولعبكم مكشوف فلماذا لا تصدرون بيانا او فتوى دينية تستنكرون ما تقوم به داعش بدلا من استنكار التحالف الاممي ضد الارهاب .. العبوا غيرها ايها الاخوان !!!
