احداث ومجريات وتطورات في الساحة العربية كانت مفاجئة للمجتمع الدولي وهي تمثلت بثورات وانتفاضات شعبية قامت بها الجماهير الشعبية لاسقاط حكامها الذين ظلوا يتربعون في السلطة لسنين طويلة.
ورغم أن كل ما حدث وما يحدث هو شأن داخلي، إلا أن العالم تابع وعن كثب هذه الأحداث وكانت ردود الأفعال متباينة ، وكان أبرزها وأهمها رد فعل تركيا خاصةً أنها ومنذ سنين تبذلت جهود لإرساء أسس سياستها الخارجية الجديدة في المنطقة أولها التوازن السليم بين الحرية والأمن، وتسعى لبناء علاقات جيده بينها وبين الدول العربية من خلال توظيف مورثها التاريخي والجغرافي.
وانطلاقاً من ذلك راقبت تركيا الأحداث الجارية في مصر بصمت وتريث ،إلى أن أعلنت انه يجب الإصغاء لصوت الشعوب وتحقيق الديمقراطية دون انهيار النظام العام في مصر أو في أي دولة أخرى وإسهامها في (التغير المستقر)، رغم أنها تؤمن بمبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية.
لقد حاولت تركيا الاستفادة من الأحداث التي طرأت على اللعبة السياسية لتعزيز موقفها في المنطقة واقترابها من الشعوب العربية وملامسة همومهم ، واثبات نفسها كنموذج ديمقراطي.
وبعد اهتزاز النظام الإقليمي تتوسع الدائرة للمناورة امام الأتراك تجاه القوى الإقليمية والدولية ، حيث تطمح انقرة ان تكون فاعلة مؤثرة في تحقيق التوازن بين القوى الإقليمية وهو ثاني أسس السياسة الخارجية التركية الجديدة ، خاصة مع وجود أوضاع حساسة تعيشها فلسطين ولبنان والعراق، بما يتيح لأنقرة فرصة لزيادة دورها في هذه القضايا، حيث تعرقلت الجهود التركية في بعضها بسبب الجفاء المصري، وبالأخص في غزة ودعم حماس.
وقد تحظى أنقرة بدعم الولايات المتحدة والدول الغربية في مثل هذا التحرك.حيث نرى عودة الاتصالات التركية– الأميركية خلال الأزمة والبحث عن دور في الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وإثارة اهتمام دول الاتحاد الأوروبي التي كانت قد تقدمت بالطلب منها للتوسط لها في اتصالاتها مع دول المنطقة من قبل .
وتجد تركيا أن مصر قلب العالم العربي وهناك مصالح مشتركه بين الدولتين يجب الاتفاق عليها .وخاصة أن الأوضاع الجغرافية لدولتين تتمم بعضها البعض وتجعل من تركيا ومصر وهما الدولتين الافرو–اوراسية ،فضلا عن التاريخ مشترك الذي لا يمكن تجاهله.
ولذلك كان يتعين ان تتصف العلاقة بينهما بالاستمرار وان يكون هنالك ثقة متبادلة الإنجاح هذه العلاقات ، وبعد تنحي محمد حسني مبارك واستلام القوات المسلحة للسلطة مؤقتا وللمرحلة الانتقالية في مصر، فإن انقرة اكدت ثبات موقفها من ضرورة قيام حكومة جديدة تستجيب لتطلعات الشعب المصري تضمن الحريات الأساسية والديمقراطية وسيادة القانون والشفافية الاقتصادية.
ولقد سارعت تركيا الى التأكيد أن تنحي مبارك لن يؤثر على علاقاتها مع القاهرة، خاصة وإنها تتبع سياسة خارجية تقوم على أساس تصفية المشكلات مع دول الجوار، لأهداف واستراتيجيات متعددة الأبعاد وبدبلوماسية متناغمة ذات أسلوب جديد.
ومن خلال هذه السياسة استطاعت تجاوزت بعض العقبات والحواجز في علاقتها مع الدول العربية ودول المنطقة .
إن تركيا في إتباعها لسياسة خارجية جديدة قد تجاوزت الأطر النظرية المجردة، وان نظرية العمق الاستراتيجي التي عبر عنها مهندسها الدكتور أحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا؛ جاءت لتصوغ رؤية إستراتيجية تطبيقية شاملة لما يمكن أن تكون عليه مكانة تركيا في الساحة الدولية.
وقد تجسدت جهودها واقعاً حيا ملموسا لكل متابع لتطوراتها الداخلية والخارجية حيث أنها لم تعد طرفا هامشيا في المعادلة، بل انها اثبتت دورها الفاعل والمبادر في جميع القضايا الإقليمية والدولية.
وكأن الأحداث والظروف التي مرت وتمر بها المنطقة جاءت مواتيه لتركيا لتنفيذ سياستها ونظرياتها الخارجية وتحقيق أهدفها وحلمها في تغيير نظرة الريبة والشك التي كانت تحيط بها، وهي في ذلك استطاعت انتزاع ثقة جيرانها العرب.