أبسط الكلمات هي أخطرها، ومن يخاطب القلب والفؤاد ليس مثل من يخاطب العقل فقط.
فماذا لو تحول من يقوم بذلك إلى لاعب بالكلمات، كمن يلعب بالبيضة والحجر، واختار أن ينتهز الفرصة، وهو نهاز للفرص بامتياز! ودبج مقالة طعن فيها المقاومة من تحت الحزام، أرضى بها من يعمل في بلدهم ويقيم؛ بدعوى الإشفاق على الضحايا! وحاول ما استطاع أن يبدو بمظهر الناصح، متغطيًا بورقة توت، قوامها أن خطابه قد يبدو انهزاميًا، وهو انهزامي حتى النخاع.
القلب الرهيف صعب أن يتقبل مصرع الأطفال والنساء والشيوخ وتهدم الأحلام، ومثله قلوبنا، إنما أي معنى للحياة بدون فضاء حر ومدى يصر الكيان الصهيوني على تسويره وتقنينه و"جنزرته"، وخنق الناس وقتلهم، سواء تحدثوا أم فاهوا أم أبدوا امتعاضًا أم قاوموا، والمثل الصيني القديم قال: "النمر سيفترس الإنسان؛ سواء جرى استفزازه أم لا، وعليك أن تختار بين أن تقتل النمر، أو تقع ضحية له".
وقد اختار أهل غزة أن لا يكونوا ضحايا للنمر مهما كلفهم الثمن، ويُدموه ويطعنوه في الصميم؛ انتصارًا لإنسانيتهم وحقهم في الحياة، ومهما استشرس النمر، مهما قتل ودمر هم صامدون.
ولا أدري من أين أتى الكاتب بفرية أن "المقاومين يتوسلون المجتمع الدولي نجدتهم، ما داموا أبطالًا خارقين"؟! والذي يتوسل هو العدو، أم أنك لم تسمع بما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن الطلب الاسرائيلي المتكرر بإيجاد طريقة لوقف إطلاق النار؟ وأن المقاومة اتهمت لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرئيلي بخرق الهدنة، واشتكى العدو منها.
إن اعتبر الإعلام العربي أن في غزة أبطالًا، فهؤلاء الابطال ليسوا مثل من يعتقد الكاتب إياه، ليسوا خارقين كـ"آخيل" و"هكتور" و"عنترة" و"سوبرمان"، إنهم أبناء الشعب، بسطاء كالنسيم الذي يلعب في أمداء بحر غزة، ولو لم يفرض عليهم القمع والقلع والإبادة لكانوا منهمكين في أعمالهم، منهم الطبيب والمهندس والمراكبي والبنشرجي وبائع السمك وبلالين العيد والشفق.
ولفريجليوس شاعر روما وصاحب "الانياذة" قولة مشهورة في أمثالهم: "الأبطال الحقيقيون يعثر عليهم بين أبناء الشعب؛ لأن الشعب هو العنصر المناضل الوحيد الذي يستمر في الكفاح حتى النهاية".
نعم.. يدفع الغزيون الضحايا هذه المرة قوافل تلو قوافل، لكنهم في المقابل يُوجعون عدوهم، ويضربوه بقوة، لدرجة أن تميد الارض تحت أقدامه، ويُسقطوه في كل مضمار؛ فصواريخ المقاومين التي لا تعجبك تقض مضاجعهم، والمقاتلون على الأرض يفاجئونه في كل ميدان وغى، ويوقعون به خسائر حاسمة؛ ما اضطره إلى إعادة حساباته في الحرب البرية التي ظن أنها مجرد نزهة، تنتهي عند البحر وحدود مصر، يعلن فيها إعادة الاحتلال.
أما مقاتلو الأنفاق فيبثون الرعب في أوصاله، لدرجة أن من يقطن من الصهاينة في شمال فلسطين، بات يخشى أن تكون الأنفاق وصلت إلى تحت بيته وأماكن لهوه.
ما أسهل سقوط الكُتَّاب عند حدود غزة إن لم يعدلوا، وما أعيب أن يكون الكاتب "ابن مخيم" يطل على غزة من شرفة فندق على الخليج!