مع بدء امتحانات الثانوية العامة والتي تشكل بواقعها المفصل الرئيسي لمستقبل الطلبة المتقدمين بعد اكتمال متطلبات انتهاء مرحلة الدراسة المدرسية باعتبارها الخطوة الحاسمة التي تقرر رصيف الكلية الجامعية التي يرسو على مينائها قارب التزود بالعلم والمعرفة، من أجل الحصول على الشهادة الجامعية التي تسمح لحاملها بالمشاركة في رحلة البناء والعطاء على المستوى الشخصي والوطني، حيث أننا ندرك أن معدل الثانوية هو العامل الحاسم بالقبول الجامعي، ويبدو أن وزارة التربية والتعليم مهتمة بإعادة رونق الامتحان لسنواته الذهبية بعد سلسلة من الانتكاسات التي خلخلت الثقة بقدسية الامتحان عبر السنوات الماضية بسبب التجاوزات المتعددة التي مارسها البعض من طلبة وأهل ومسؤولين بتسريب أسئلة الامتحانات، وممارسة أنواع الغش المختلفة التي وصلت لدرجة العبث بالفقرات الصحية للطالب كزراعة سماعات طبية في الأذن لتسهيل أمور الاختراق، إضافة لاستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة بالهواتف الذكية بتصوير أسئلة الامتحان وارسالها لفريق الغش المتأهب للمساعدة بحل الأسئلة بواسطة خبراء متخصصون وإعادتها للطلبة، وسائل تساهم ببناء وهمي ركيك لشخصية الطالب وتمنحه حقوقا لا يستحقها بسبب تضخيم قدراته الابداعية بغير واقعها.
الاستعدادات التي اُعلنت على لسان المسؤولين بوزارة التربية وخصوصا وزير التربية والتعليم قد بعثت برسالة دفء وإطمئنان لمعشر الطلبة والأهل، خصوصا أن تجربة الفصل الأول قد نجحت بدرجة نالت الاحترام، ولكننا لا نريدها أن تقترن بمنعطفات التهديد أو التساهل، ولا نريد التدخل بلجان الأسئلة التي يجب أن تتكون من أساتذة المواد العاملين بوزارة التربية نفسها فهم الأقرب للطلبة ويستطيعون تجهيز الامتحان بشكله المثالي الذي نتمناه وأتمنى أن لا يتدخل بلجان الأسئلة من لم يمارس التدريس الصفي هذا العام، فالمشرفون وأساتذة الجامعات والمتقاعدون–مع الاحترام–لا يمكنهم أن يكونو الأقرب للطلبة من أساتذة المادة نفسها حتى لو بذلوا جهودا بتوظيف خبراتهم، بالتوازي مع توفير ظروف الاطمئنان للطلبة بقاعات الامتحان والبعيدة عن المظاهر الأمنية التي تغلف شعور الطلبة بالخوف من فوضى مبرمجة، فالامتحان بحد ذاته–وأي امتحان–هو سبب رئيسي لوجود شكل من أشكال الاضطراب السلوكي تختلف معاييره بإختلاف البعد المنتظر من النتيجة التي تتشكل بناء على قدرات الطالب الشخصية والتحصيلية، فهناك فئة من الطلبة تحتل رصيف القناعة بالنجاح، يقابلها على الرصيف الآخر فئة مجتهدة تتنافس بالحصول على المعدلات العالية التي تمنحها بطاقة مرور الكلية الجامعية التي تسمح بترجمة أحلامها لواقع المستقبل، بينما نجد أن المساحة المتوسطة بين الرصيفين يقطنها طلبة الحيرة والقدرات المتفاوتة بتشكيل ديموغرافي يسمح بزيادة المسافة بين المعدلات الواقعية بعد نهاية الماراثون التنافسي وبين الاعتقاد بالمستوى المستوى المبالغ فيه الذي يبنى على إنجازات بأبعاد غير منطقية أو واقعية، بجريمة يشارك فيها الأهل بدرجة معينة.
العدالة بشكلها المطلق هي الضمانة الأكيدة لسير فقرات الامتحان بما يكفل احترام قدسيته ومكانته بنتائجه التي تمس جميع أطياف المجتمع الأردني، لتحتل عدالة الأسئلة التي تغطي المنهاج بشكل متناسق مراعية ظروف الطلبة وفروق التحصيل وإمكانات المدارس المنتشرة على مساحة محافظات الوطن بالقدر الرئيسي لعقد الامتحان وأهميته بتحديد المصير المستقبلي، على أن توزع بالعدل ما أمكن فيخصص جزء منها للطلبة الأذكياء الذين استعدوا بهدف التميز بعد أن أدركوا أن المستقبل لن يسمح لأصحاب القدرات المتواضعة الذين حصلوا على شحن ودعم بغير انصاف أو بواسطة التحايل على أسس الامتحان ولن أسمح لنفسي الاعتراف بضربة الحظ للحصول على معدل تنافسي.
العدالة بتوفير نفس الظروف والامكانات لجميع القاعات المنتشرة التي تحتضن الطلبة، هي رسالة تربوية أخرى ستساعد بإرتداء ثوب الطمأنينة لجميع الطلبة وستنعكس حتما على الأهل الذين يحاربون لتأمين مستقبل أبنائهم فينشدون خصوصا أن هناك صراعا إعلاميا يتهم ظروف الامتحان بالتساهل مع أبناء المدارس الخاصة في العاصمة لامكاناتها، يقابله تهمة شرسة بأن الفوضى قد انطلقت من مدارس المحافظات فتسببت بإنعدام العدالة.
نريد لامتحان التوجيهي القادم أن يكون أنموذجا بقدر الطموح الذي يبشر بفرسان التغير على أسس من العدالة الاجتماعية التي تعتمد على درجة الاستعداد بإحترام مفاصل الامتحان وشروطه والتي ستنعكس على معدلات التحصيل بالنتائج النهائية، فالامتحان هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق أقصى درجات العدالة بصورة نسبية.