وضع خصوم الحكومة والطامحون إلى خلافة رئيسها وطاقمها، أيديهم على قلوبهم؛ فالحكومة بحسب ما ورد في ردها على تكليف الملك بإعداد خطة عشرية للنهوض بالاقتصاد الوطني، تعهدت بوضع تصور يتضمن برنامجا تنفيذيا يمتد حتى العام 2025!
هل يعني ذلك بقاء حكومة د. عبدالله النسور عشر سنوات أخرى؟
تخيلوا لو أن مثل هذا السيناريو قد حصل بالفعل، فكيف سيكون شكل الوزراء الشباب، والرئيس؟ والأهم، ما هي حال الأردنيين حينها؟
الحقيقة بالطبع ليست كذلك؛ فما من حكومة في الأردن تصمد أكثر من سنتين أو ثلاث. وعلينا أن لا نكترث لقلق السياسيين من هكذا سيناريو؛ فهم حساسون لكل إشارة لا تخدم فكرة التغيير الحكومي.
رئيس الوزراء كان واضحا في رده؛ فالحديث يدور حول خريطة طريق "لحكومتي والحكومات المتعاقبة". هنا مربط الفرس في الخطة العشرية المنشودة. بمعنى آخر؛ حكومات تتغير، ونهج اقتصادي يستمر لسنوات.
حاول الأردن من قبل إرساء هذا التقليد، لكن تجارب عديدة لم يُكتب لها النجاح. ولذلك، قال كثيرون في معرض نقدهم للوضع الراهن، بأن الحكومات تدير العملية الاقتصادية والتنموية من دون سياسة اقتصادية واضحة المعالم. وهذا التقدير صحيح إلى حد كبير.
هل يمكن أن يكون لدينا برنامج اقتصادي عابر للحكومات؟
هذا هو التحدي أمام الحكومة، ومعها القطاع الخاص والقطاع العريض من الخبراء والمختصين.
ثمة خطط واستراتيجيات لا تحصى. وقد أشار رد الحكومة على الرسالة الملكية لعدد منها، بوصفها "جهودا" سيتم البناء عليها. ولأن الأمر يتعلق بالمستقبل وبالأجيال القادمة، فإن مسؤولية إعداد الخطة تتجاوز الفريق الاقتصادي للحكومة، وتستدعي مشاركة أوسع قاعدة ممكنة من ممثلي القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد، لتحديد الأولويات على نحو يحقق تغيرا ملموسا في مستوى معيشة الناس، وهو الهدف الأساسي الذي دعا إليه الملك في رسالته للحكومة.
لقد انتظرت الحكومة أكثر من شهر للرد على الرسالة الملكية، وكان الاعتقاد أنها تحضّر لإطلاق تصور شامل ومفصل لآليات العمل وتشكيلة اللجان، لكن الرد جاء مقتضبا وفي العموميات. ربما لم يصل الفريق الوزاري لتصور نهائي لسير العمل، وثمة كلام عن تباينات في وجهات النظر حيال التوجهات المطلوبة. هذا أمر صحي من دون شك؛ فليس مطلوبا أن يلتقي أصحاب الرأي الواحد ليخطوا أفكارهم. على العكس تماما، فهناك حاجة لتوسيع دائرة النقاش لتشمل كل صاحب رأي في الشأن الاقتصادي.
إن الاقتصاد اليوم يشكل أزمة الدولة الكبرى، وهو المسؤول عن تدهور مؤشر الرضى العام. والسياسات الاقتصادية المتبعة لغاية الآن لا تحقق الأهداف المنشودة؛ المديونية في ازدياد، ومعدلات الفقر والبطالة تراوح مكانها، ومستوى المعيشة لا يشهد تحسنا ملموسا.
لقد تجاوزنا عنق الزجاجة كما قالت الحكومة. لكن أعناق الأغلبية من المواطنين ما تزال تحت مقصلة الصعوبات المعيشية، وسيف الغلاء الآخذ في ازدياد.
إزاء وضع كهذا، ينبغي أن لا تنفرد مدرسة واحدة برسم مستقبلنا الاقتصادي؛ فقد جُربت من قبل، ولم نجن من سياساتها وخططها سوى المزيد من المتاعب.