هناك وصفات لعلاج مشاكل الحكم في السعودية، لكن يبدو ان هناك اتفاق داخل الأسرة الحاكمة على اختيار نقيضها. ليس من الوارد أن تقبل الرياض بأي إصلاح يمكن أن يسمح بتقليص نفوذ الأمراء في المجال الإقتصادي والسياسي. وجاءت إقالة بندر بن سلطان لتؤكد إن أمور بيت الحكم الداخلية، أهم من علاقة واشنطن مع الأمير الذي يسير بتنسيق واضح مع المخابرات الأمريكية.
لم يعد مبررا للرياض أن تكون هناك شخصية يمكن أن تكون مدخلا أمريكيا لأي إصلاح في الحكم في السعودية. والإصلاح الأمريكي وكما تقول تجارب واشنطن مع العرب والعالم لا يتجاوز كونه فوضى جديدة في الدولة البطيئة الحركة . يراهن البعض إن ارتباط بندر بالحركات المتشددة هو السبب لكن ذلك غير صحيح. فكل الحركات المتشددة على علاقة وثيقة بالمخابرات الأمريكية وما كان يفعله بندر هو السير بهذا الطريق.
والسؤال إن كانت واشنطن تقاتل فعلا التنظيمات المتشددة فمنذ أن قالت انها تفعل ذلك تعددت التنظيمات وأصبحت تملك أسلحة أكثر تطورا، بل وباتت علنية. لم تغير واشنطن قواعد اللعبة، فالقاعدة في العراق قاتلت ضد المقاومة العراقية وهو ما كانت تفعله الميلشيات الشيعية الموالية لإيران وقوات الاحتلال الأمريكي فضلا عن جيش عراقي مكون من هذه الميلشيات التي تأسست بفعل توافق أمريكي إيراني.
وهكذا يفعل التنظيم المسمى داعش في قتاله ضد المعارضة السورية، كما فعل ذلك ‘حزب الله’ الذي كان يتسلح تحت أعين واشنطن فيما كان العراق يمنع عنه أقلام الرصاص أثناء الحصار منذ عام 1990 ولغاية 2003. إقالة بندر تتعلق بعدم السماح بوجه أمريكي يقود إصلاحا سيؤثر على امتيازات الأمراء الذين وصلت سيطرتهم على اقتصاد المملكة لحدود خلقت الفقر والفقراء في دولة غنية.
منذ العدوان الأمريكي على العراق عام 1991 ظهر واضحا أن السياسة السعودية هي خطوات لدعم ملفات تسعى واشنطن لحسمها على طريقتها ومن السخرية أن يردد البعض أن الرياض يمكن أن تغير تحالفاتها مع واشنطن وتتجه لدول اخرى.
والرهان السعودي على تولي عسكر كامب ديفيد للحكم في مصر والحملة ضد الإخوان سيكون حلا لأي اصلاح يبدو خاسرا. وكل ما حدث أن الجيش المصري سيكون في حرب ضد التنظيمات الإسلامية من أجل استنزافه وتفكيك الدولة المصرية، وما فعله السيسي هو جزء من هذا المخطط حيث تم صناعة أهداف جديدة يجب أن يواجهها التيار الإسلامي وهي دول الخليج العربي عدا قطر.
التيار الإسلامي وعسكر كامب ديفيد ودول الخليج العربي والحكم العراقي الطائفي كلها في معسكر الرجعية الدينية او السياسية أو كليهما معا. والدعم الإيراني لحكم بشار الأسد يمر عبر الأجواء العراقية التي مازالت تحت سيطرة واشنطن طبقا لاتفاقية مع حكام بغداد الطائفيين. واشنطن التي تدعم حكام بغداد وحكام الرياض تسمح لهما بأنا يدعما الأطراف المتصارعة في سوريا.
واشنطن وبمساهمة سعودية من خلق تنظيمات متشددة لكن الرياض لم تكن على دراية إن وكالة المخابرات الأمريكية كانت تعني إن هذه الجماعات يجب أن تكون أيضا شيعية، فكان تنظيم ‘حزب الله’ وبقية الميلشيات الشيعية في العراق وعصابة الحوثي. كان الأمير المكروه بندر يعلم إن سقوط العراق ورحيل صدام يعني إن بغداد ستكون جزءا من نفوذ طهران. ويبدو إنه تصور إن ذلك وسيلة لتغيير عقلية الحكم في طهران، وهذا ما لم تكن تريده واشنطن إذ كانت تخطط لمد النفوذ الإيراني وليس تغيير عقلية الحكم.تؤكد وثائق وتقارير إن نفوذ طهران في العراق كان برغبة أمريكية من اجل رفع حدة الصراع وليس تجميده. يقول دبلوماسي عربي إنه لم يقرأ مذكرت مستشار الشاه إلا بعد احتلال العراق حيث أدرك إن سقوط الشاه كان قرارا أمريكيا بريطانيا لذا تم حرق الشاه إعلاميا من قبل ‘بي بي سي’ وغيرها كما ذكر ذلك مستشاره.
الرياض لا تدرك إنها مهما فعلت لن يكون ذلك سورا يمنع واشنطن العازمة على صناعة تغيير هناك في بنية الحكم وجغرافية الدولة، وتبدو مقاومتها لذلك أقرب لتبرير هذا التغيير من كونها مقاومة ذكية.
إن التغيير الجديد في السعودية أمر سيجمع تحجيم الدولة جغرافيا وبنية الحكم.