وحدث الخطأ نفسه، وإن بصيغة أخرى، بالنسبة للتيار الإصلاحي الوطني في جماعة الإخوان المسلمين، والذي ظل يراهن على "الجماعة" بما تملكه من تأثير اجتماعي وجماهيري، وقدرات وموارد تنظيمية ومالية، معتقدا أنه يمكن التأثير على أعضاء "الجماعة" ودفعها من خلال الانتخابات الداخلية إلى برامج ومواقف إصلاحية وسياسية واجتماعية تتفق مع التصورات الجديدة للعمل العام التي أنشأها استئناف الديمقراطية في العام 1989، و"الربيع العربي" في أواخر العام 2010.
وبالطبع، هناك المثال التاريخي للأحزاب والتيارات القومية واليسارية، والمنظمات الفلسطينية التحررية، التي وظفت المد الجماهيري القومي واليساري لأجل عمل سياسي وطني قائم على وعود وآمال قومية وتحررية! وقبل ذلك، تشكلت لحظات تاريخية ألهمت الجماهير والنخب، قائمة حول الاستقلال والتحرر الوطني ومقاومة الاستعمار.
ويمكن اليوم الاستنتاج أنها لحظات تاريخية برغم ما فيها من إلهام وقدرة على تحريك الجماهير، إلا أنها لم توظف بنجاح لإنشاء ديمقراطية حقيقية تنظم مصالح المواطنين والمجتمعات، وتعكس ولاية الأمة على السلطات كما ينص الدستور!
والسبب بوضوح وبساطة، هو أنها لحظات وموجات تاريخية قامت حول فكرة محددة (التحرر/ الاستقلال/ الوحدة العربية/ التدين..)، ولم تكن واردة فيها مسائل الحريات والديمقراطية والتنمية والإصلاح، والتنظيم الاجتماعي للمواطنين على أساس الأماكن والمصالح والأولويات والخدمات الأساسية وعدالة التوزيع والعدالة الاجتماعية والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين والمجتمعات. وبالنسبة للإخوان المسلمين في الأردن، فقد كانت حتى حلول "الربيع العربي" مفاهيم ومصطلحات تعني بداهة الكفر والعمالة ومداهنة الجاهلية... ولا يمكن اقتراحها أو طرحها إلا على سبيل المغامرة أو التقية!
هل يمكن إصلاح جماعة الإخوان المسلمين بفعل الحراك والجدل الداخلي فيها؟ لقد تغيرت الجماعة مرات عدة في تاريخها، ولكن ديناميكيات التحول لم تكن بفعل جدل ونشاط تيارات داخلية في الجماعة، وإنما بفعل موجات واتجاهات فكرية وسياسية خارجية، هبت على "الجماعة" كما على الساحة العامة، والتقطها بعض الإخوان، وغالبا الجيل الشاب في "الجماعة". وكانت هذه التحولات تعكس الاتجاهات العامة حول "الجماعة" وليس في داخلها. وفي أحيان أخرى كثيرة، كانت هذه التحولات تعكس استهدافا مباشرا للجماعة لأجل التأثير عليها باتجاه فكري أو تنظيمي معين.القاعدة الأساسية في العمل العام والمشاركة، هي أنه لا يمكن العمل مع جماعة تأثير إلا لأجل التأثير، ولا يمكن المشاركة في جماعة دعوية إلا لأجل الدعوة وبمحتوى دعوي ملائم. الإخوان المسلمون اليوم جماعة اجتماعية دينية بمحتوى انفصالي تكفيري، وهم يشاركون بهذه التشكيلة في الحياة السياسية والعامة!