الأحداث التي شهدتها مدينة معان في الأيام الماضية، وتشهدها حالياً؛ وتضمنت مواجهات بين الأمن وخارجين على القانون، تعيد إلى الأذهان مظاهر مشابهة في فترات زمنية منفصلة مرّت بها المدينة على مدى العقدين الماضيين.
وسرعان ما تتحوّل أي عملية أمنية روتينية على الخارجين على القانون إلى حوادث واحتجاجات من قبل بعض المواطنين، تأخذ طابعاً سياسياً عاماً كان أم تنموياً.
إن تكرار هذه الأحداث والحوادث يدل على أنه لم يتم حل المشكلات التي تعاني منها المدينة، وأدت في السابق، كما تؤدي الآن، إلى الاحتكاك مع الخارجين على القانون، ومن ثم الأهالي بشكل عام. ولا أحد ينكر أن هناك مشكلات أمنية بسبب وجود الخارجين على القانون؛ سواء كانوا من المهربين أو المتشددين. ولكن المشكلة الأمنية هي مظهر للأزمة التي تعيشها معان، وليست الأزمة بحد ذاتها. بالطبع، يُعد الخروج على القانون مشكلة، ولكن من الحري أن نبحث عن الأسباب الفعلية، وليس الأعراض الظاهرية لهذه المشكلة. ويؤكد الكثير من المراقبين والعديد من أهالي معان، أن العنف يعكس حالة إجرامية محلية، إلا أنه في الأساس نتيجة للفشل في إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والفشل في التخطيط الإقليمي، والتهميش الاقتصادي والسياسي للمدينة. كذلك، يجب أن لا نضع اللوم فقط على الحكومة، فهناك تقصير وقصور من القطاع الخاص، ومن المنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية. الدراسات تشير إلى أن السيناريو نفسه يتكرر منذ العام 1989؛ إذ يبدأ بحالة فردية محلية، تنتشر بسرعة إلى بقية مناطق معان، وأحياناً لأجزاء أخرى من الجنوب. والمعالجة هي نفسها؛ أمنية فقط.
معان، ولأسباب مختلفة، لها طبيعة مميزة داخل الأردن. وبسبب مجموعة من العوامل، أصبحت بيئة تحتوي على عناصر التوتر. وعندما يكون هناك حدث سياسي أو اقتصادي أو أمني في المدينة، يحدث التوتر بين الأجهزة الحكومية والمدنية. إنه لمن الخطأ النظر إلى أحداث معان من منظور محلي فقط، وكأنها معزولة عن القضايا الوطنية بشكل عام؛ لأن الأحداث في معان ومسبباتها موجودة في أماكن أخرى في الأردن، وإن كانت بأشكال مختلفة. وعليه، تعكس أحداث معان حالة عامة يُمكن أن تحدث في أي مدينة أخرى.
كل الأردنيين، وضمنهم أهالي معان، مع فرض هيبة الدولة وسيادة القانون. لكن الحلول الأمنية، على أهميتها، لن تكون كافية لتحقيق ذلك؛ لأنه تم تجريبها في الماضي، فنجحت في وضع حدّ للأزمة، لكنها لم تنجح في معالجتها نهائياً. والحل الجذري لأزمة معان يجب أن يكون سياسياً وتنموياً بامتياز. وهذا لا يتأتى بالنماذج التي تم تجريبها؛ مثل دعم المشاريع الصغيرة وغيرها. نحن بحاجة للتفكير في حلول إبداعية خارجة عن الروتين الحكومي.
معان، وغيرها من مناطق الجنوب، تحتاج إلى ما يكون أقرب إلى خطة تنموية شاملة، تحوّل معان إلى منطقة اقتصادية ديناميكية، تشمل تحديثاً للبنية التحتية، واستحداث مشاريع تنموية حيوية تُخرج المنطقة من عزلتها، وتقضي على الأنماط الاقتصادية غير القانونية كافة. وتنفيذ هذه الخطة ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل يجب أن يكون القطاع الخاص جوهرها. لكن المسؤولية السياسية في قيادة هذه العملية هي من واجبات الحكومة. ويمكن انتهاز الفرصة من خلال صندوق تنمية المحافظات لتنفيذ ذلك.