تستهويني كثيرا الدراسات المستقبلية، التي «تتنبأ» بالأحداث قبل وقوعها، وهذا فرع خطير من فروع المعرفة، يحتل مكانة مرموقة في سلم اهتمامات الدول المتقدمة، حيث يعمد مفكروها ودارسوها إلى وضع السيناريوهات محتملة الحدوث في البلاد التي يرصدون الأحداث فيها، كي لا يفاجأ صاحب القرار بالأحداث الجديدة، وليس من الضرورة أن تصدق كل توقعات الدارسين، لكنها تمنح صاحب القرار الفرصة للاستعداد لمواجهة الاحتمالات الممكنة.
ووفق موسوعة ويكيبيديا تطور علم دراسات المستقبل، خلال الثمانينيات والتسعينيات ليشمل مواضيع محددة المحتوى وجدولا زمنيا للعمل ومنهجا علميا، وتقول إن علم المستقبليات أو «الدراسات المستقبلية» هو علم يختص بـ «المحتمل» و»الممكن» و»المفضل» من المستقبل، بجانب الأشياء ذات الاحتماليات القليلة لكن ذات التأثيرات الكبيرة التي يمكن أن تصاحب حدوثها. حتى مع الأحداث المتوقعة ذات الاحتماليات العالية, مثل انخفاض تكاليف الاتصالات, أو تضخم الإنترنت, أو زيادة نسبة شريحة المعمرين ببلاد معينة، فإنه دائما ما تتواجد احتمالية «لا يقين» كبيرة ولا يجب أن يستهان بها. لذلك فإن المفتاح الأساسي لاستشراف المستقبل هو تحديد وتقليص عنصر «لا يقين» لأنه يمثل مخاطرة علمية.
في هذا السياق استوقفتني رؤية مستقبلية لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) حيث تتوقع أن يشهد العام 2015، حسم مصير الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في مصر، العقيد رويطال قائدة «جبهة مصر والأردن» في لواء الأبحاث التابع لـ «أمان»، قالت في مقابلة مع موقع صحيفة «يديعوت أحرنوت» مساء الاثنين، إنه في حال لم يتم تقديم دعم مالي هائل لإدارة السيسي بعد توليه الرئاسة فإن نظامه سينهار بشكل محتم. وتعيد رويطال للأذهان حقيقة، أن مصر تضم 87 مليون نسمة، بحيث أن جنيناً يولد كل 16 ثانية، كما تلاحظ أن ثورة 25 يناير تفجرت لدواع اقتصادية اجتماعية وليس لدواع أيدلوجية ودينية. كما تتوقع رويطال أن المصريين سيمنحون السيسي فترة محدودة جدا من الوقت، وفي حال لم يُحدث تحولاً في مستوى الحياة المتدهور فإنهم لن يسمحوا له بالبقاء في الحكم. وتقول رويطال أن الأنظار تتجه إلى السعودية ودول الخليج، على اعتبار أنها الطرف الذي بإمكانه ضمان بقاء السيسي، لكنها ترفض تأكيد أو نفي ما إذا كانت الدول الخليجية ستوافق على تغطية أي عجز مالي في مصر بغض النظر عن حجمه. وتعيد رويطال التأكيد على ما يمكن أن يقال أنه حقيقة واقعة، وهي أن مصلحة «إسرائيل» تقتضي الحفاظ على حكم العسكر بقيادة السيسي.
على اعتبار أن بقاء هذا الحكم يضمن مواصلة احترام اتفاقية «كامب ديفيد»، التي تمثل إحدى ركائز «الأمن القومي الإسرائيلي» كما تقول أن إنهاء حكم مرسي مثل أهم تطور «إيجابي» خلال العام 2013، وأعطى أملا في مواجهة تبعات الهزة التي شهدها العالم العربي في أعقاب تفجر الثورات العربية. وتفسر رويطال عزل مرسي وإنهاء حكمه، بأنه تم بقوة «البيروقراطية المصرية»، ذلك أن مؤسسات الدولة تحافظ على نسق عميق من التعاون للحفاظ على ذاتها، ما يقلص فرص المس بها، وهذا يفسر قدرة نظام مبارك على الصمود. واستدركت قائلة: «يتوجب مواصلة رصد وتتبع ما يحدث هناك بكل دقة، فلا شيء ثابت، علينا متابعة أوضاع الأمن الداخلي في مصر والتحولات الاقتصادية، لأنها ستنعكس علينا بهذا الشكل أو ذاك». وفي النهاية تتوقع رويطال أن تفضي خيبة الأمل في أعقاب الرهانات الكبيرة على السيسي وتعاظم حجم المعارضة، إلى تحول كبير في الأوضاع في مصر العام القادم، فيما تتجه الأنظار إلى ما قد يقدم عليه الإخوان المسلمون، حيث سيكون لسلوكهم وقدرتهم التنظيمية أهمية قصوى في تحديد وجهة الأمور.
إن هذه الرؤية الإسرائيلية لا تقلل من شأن الحركات الإسلامية، الذين سارع كثيرون إلى نعيها، واعتبروها من الماضي، وهذا الأمر يرتب على هذه الحركات مسؤولية كبيرة في الصمود، عبر عملية إعادة تقويم مستمرة، لمواجهة محاولات شيطنتها وزعزعة ثقة الجمهور بها!.