الفارق كبير بين السعي لإطار تشريعي يضمن عدم اعتداء الصحافة والصحافيين والنشطاء السياسيين على كرامات الأفراد ومصالح المجتمع وثوابت الدولة في اي وقت و أية عملية "احتيال" يمكن أن تمارس حتى ضد القانون نفسه في الطريق لتقليص سقف حريات التعبير السياسي او تهديد الصحافة المستقلة او ليّ ذراع الحقائق والوقائع، بحيث يستحيل التشريع سيفا بيد السلطة ضد الحرية المسؤولة وليس دعما لها.
عبرنا مبكرا عن مخاوفنا من الاستخدام"غير الرشيد" لأدوات القانون عندما يتم حرف البوصلة، بحيث تقمع أو تقيد حريات الصحافة المستقلة والمسؤولة بإطار تشريعي قيل لنا في إطار الخدعة الكبرى بأن الهدف منها حماية المجتمع من انتهاكات الجسم الصحافي والسياسي.
تبين لاحقا للجميع بان الهدف قد يكون "تحصين" المنتهكين والتركيز على ملاحقة ومطاردة المستقلين او أصحاب الرأي الآخر في بلد استندت فكرته المركزية الى أساس يؤمن بالحوار واستقلالية الرأي، وفي بلد يحرض قائد مسيرته الشباب في الجامعات على قول رأيهم بصراحة وامام أساتذتهم.
المشكلة ليست في القانون ولا في المحكمة نفسها، أيا كان نوعها بل في حراس القانون والعدالة الذين يحاولون التعسف في استعمال القانون واستخدام نصوصه سيفا ضد الحريات.
مثل هذا الاستخدام المنحرف لسلطة القانون واللف والدوران في استعمال السلطة لا يخدم تلك القيم التي نحرص جيمعا في الجسم الصحافي عليها.
ومثله يروج للتعبيرات غير المهنية، ويخدم كل ما هو رديء في حياتنا السياسية والإعلامية، ويعزز ثقافة التنابز والكراهية والاحتقان والتجاذب… بالنسبة لبعض المسؤولين والموظفين لم أعد أعرف ما إذا كان ذلك مقصودا فعلا وعلى أي أساس أو حكمة؟.
المحاكم الاستثنائية لم تولد حتى في المفهوم الأردني الوطني من أجل الاسترسال في تحويل الصحافيين والنشطاء إليها، فهي وإن كنا نتحفظ على وجودها من حيث المبدأ ولدت لكي تحافظ على النظام والمؤسسة وتشتبك مع الجرائم البشعة التي تطال استقرار المجتمع وعقول الناس، وتمنع الاستثمار في مستقبل الأردنيين خصوصا في الظروف الاستثنائية.
الاستمرار في الموافقة على السماح بتحويل قضايا المطبوعات والرأي السياسي إلى المحاكم الاستثنائية سلوك يعتدي ليس فقط على مهنة الصحافة ودورها الوطني لكنه سلوك لا ينتمي للعالم العصري الحديث، ويلحق أبلغ الأضرار بالأردن حكومة وشعبا وقيادة.
ثبت بالتجربة الآن انه لا بد من وجود بنية تشريعية صلبة "تحرم" بالمطلق على السلطة محاكمة الصحافيين في محاكم استثنائية لا نزال لا ندري ما إذا كان وجودها يحظى أصلا بالتوافق الوطني.
أخلاقيا ينبغي ان لا يقبل الأردنيون وجود نصوص في التشريعات والأنظمة تسمح للحكومة بتحويل رموزهم السياسية والإعلامية إلى محاكم استثنائية اقر المشرع وجودها لمواجهة تجار المخدرات والجواسيس وعتاة المجرمين والمتلاعبين بقوت الناس ورزقهم، وهو موقف نفترض مسبقا بان بقية السلطات الدستورية معنية به أيضا لاننا نعرف عزّ المعرفة بأن إطارنا المرجعي غير معني به بل ويمقته.
لا يمكن تقييد العصافير وهي تحلق فوق روؤسنا، ولا تغليف الهواء وحجبه، ولا يمكن لأية سلطة مهما بلغت من الجبروت وادوات العسف والظلم ان تمنع كلمة حرة تبتدئ وتنتهي عند عبارة واحدة ووحيدة هي "الوطن".