هل يمكن اعتبار الفوز الذي وُصف بالتاريخي, بمثابة انتصار تفوح منه رائحة الهزيمة الشخصية لاردوغان في المديين القريب والمتوسط؟ هذا الذي حققه رجب طيب اردوغان، في انتخابات الحكم المحلي التي غدت مُسيسة اكثر من أي وقت مضى, رغم انها ذات طابع خدماتي تتوسل فيه الاحزاب المُتنافِسة مقاربات جاذبة للمواطن «العادي» وتتوجه بخطاب يستجيب لحاجاته اليومية والخدمية المباشرة، لكن رئيس حزب العدالة والتنمية الذي اسكرته الدورات الثلاث (البرلمانية) التي فاز بها, واوقدت لديه الطموح المغالى فيه والرامي الى استنساخ شخصية اتاتورك في مسيرة «الجمهورية» التي انشأها «ابو الاتراك» على انقاض دولة الخلافة العثمانية، ولكن هذه المرة بنسخة «اسلامية» وبرنامج يتكئ على إرث عثماني وسلجوقي, يراه اردوغان مُناسِباً, في ظل التطورات الدولية المتلاحقة، ما زاد من قناعاته بأن تحويل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي, ليست سوى مسألة وقت, يمكنه توفير «الأوراق» اللازمة له, عبر تكتيكات والاعيب سياسية تتوخى مغازلة القوى «القومية» الاخرى التي طالما تعرضت للاضطهاد والتمييز ورفض «طوراني» شديد للاعتراف بخصوصياتها الثقافية وهويتها القومية, و»الكرد» في مقدمة هؤلاء يليهم العلويون الذين لم يتردد اردوغان في «التودد» اليهم وهذه المرة عبر تلويحه السماح لهم ببناء «بيوت الجمع» الخاصة بعباداتهم, والتي كان ممنوعاً عليهم تشييدها او ترميمهم القليل والقديم جداً... الموجود منها، بل هو يعيب على خصمه اللدود في حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس، كمال كيلتشدار اوغلو انه علوي (!!)..
هل قلنا حزب المعارضة الأول؟
نعم، فالحزب العلماني هذا، او قل الحزب الذي أنشأه كمال اتاتورك نفسه، هو الذي انتزع منه بلدية انطاكيا (وما ادراك ما انطاكيا)، عاصمة اقليم اسكندرون السوري المُحتل, التي كانت - وما تزال - ساحة الامداد الرئيسية للارهابيين والمهربين والمخربين وتجّار السلاح والبشر وسرقة مصانع حلب).
ماذا عن الانتخابات؟
من السذاجة تصديق كل ما تورده وكالات الانباء والفضائيات نقلاً عن المصادر التركية الرسمية, فالذي شاهد ما يجري على الاراضي التركية كمراقب ومتابع ميداني, يصعب عليه التسليم بأن ما جرى كان ممارسة ديمقراطية خالصة, إن على مستوى الدعاية الانتخابية ام لجهة الشفافية والنزاهة في التصويت, وهو أمر في النهاية يُسجّله المراقبون ومنظمات حقوق الانسان ووسائل الاعلام, فضلاً عن الاحزاب المتنافسة, وهو ما بدا منذ صباح الاحد الماضي (30 /3) صعباً ومحظوراً رسمياً, عندما انيط بوكالة الانباء الرسمية «الاناضول».. وحدها, مهمة ارسال الاخبار والتقارير عن مجريات العملية الانتخابية, فيما لم يُسمح لأي وسائل اعلامية اخرى وخصوصاً تركية, ممارسة دورها الطبيعي ومجالها الوحيد, خضعت - على سبيل المثال - وكالة جيهان الإخبارية الخاصة والتي تملكها حركة الخدمة (جماعة غولن) لمضايقات مباشرة واخرى تقنية بما فيها خدمة الانترنت التي لم تتمكن من استخدامها حتى الواحدة من فجر الاثنين عندما «زرناها» ورأينا الشاشات «بيضاء» من غير سوء(...).
يضاف الى هذا الاستنفار بطابعه الاستفزازي والمرتبك, ما رآه الجمهور الذي في انقره وفي اسطنبول بالذات التي كانت ساحة ميدان تقسيم وشارع الاستقلال ابرز تجلياته, حيث كانت اصابع افراد «الجندرمة» على الزناد, فيما تتحرك عيونهم كما الرادار في الاتجاهات كافة, ناهيك عن جيش العسس والمخبرين واصحاب النظارات السود , الذين لا يترددون في ابداء الخشونة حيال كل من يأتي بتصرف عفوي أو فضولي, يمكن أن يفسره هؤلاء على انه تحد أو محاولة للتظاهر أو ابداء الرأي علناً, وسقوط تسعة قتلى وعشرات الجرحى أدخله الاعلام الاردوغاني في خانة الامور «العادية» التي تحدث في كل الانتخابات.
وإذا كان قرار اردوغان حجب موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قد جاء في غمرة توتر الرجل وارتباكه واحساسه بأنه على وشك فقدان مستقبله السياسي، قائلاً: لا يهمني المجتمع الدولي، فإنه امعن في عناده حاجباً موقع يوتيوب، رغم كل الانتقادات اللاذعة التي تعرض لها في داخل تركيا وخصوصاً خارجها، وبدا الرجل وكأنه مستعد لمقارفة كل شيء في سبيل استمرار حياته السياسية، التي كادت ان تنتهي بعد الحراك والاحتجاجات الصامت منها والمُعلن، الذي جرى داخل حزبه على نحو انذر بأنه (اردوغان) في انتظار «ليلة سكاكين» تطيحه, اذا ما نزلت النسبة التي سيحرزها الحزب في الانتخابات البلدية الى ما دون الاربعين في المائة، بل هناك من توقع بأنها لن تتجاوز تخوم الثلاثين..
لكن توقعات خصومه في الحزب، وخصوصاً «أعداءه» في المعارضة وتحديداً حركة الخدمة (غولن) لم تكن دقيقة، وكانت المفاجأة التي «استثمرها» اردوغان فوراً وراح يمارس ديماغوجيته المعهودة والقائمة على التهديدات وروح الثأر والانتقام ضد «الخونة» وتحالف الشر، كما وصفهم حرفياً, دون ان ينسى هويته المذهبية وانحيازه الايديولوجي المتزمت، عندما خرج على «جمهوره» بعد منتصف الليل رافعا شعار «رابعة» معتبراً انتصاره بمثابة انتصار لـ «الاسلاميين» في مصر وسوريا وفلسطين والبوسنة، وفي كل مكان يناضل فيه «المسلمون» من اجل الديمقراطية، وضد الظلم والاضطهاد»..
فهل الأمر كذلك؟ وهل سيتمكن اردوغان من دخول «عرين» الاعداء الذين اتهموه بالفساد وسربّوا اسرار الدولة؟
للحديث صلة.
«ظاهرة» أردوغان أو .. عندما «تنتصر» الديماغوجيا !(1-2)
أخبار البلد -