رغم ما تخفيه الكاميرات، وما لا يُقرأ خلف الابتسامات المرسومة، والهدوء الذي يخيم على المسؤولين العرب في الاجتماعات المفتوحة للقمة العربية التي تنعقد في الكويت؛ يلمس المراقب الأجواء المشحونة في القاعات، والحرارة المنبعثة من خلف الأبواب المغلقة.
الملف الأبرز والأسخن على طاولة القمة، يتمثل في الأزمة السورية. لكن رغم شدة احتراقه، فإنه لم يلق الاهتمام المطلوب، بل كان محل خلاف، كما جرت العادة.
الخلافات بدأت في القاهرة حول من يمثل سورية، ومن يجلس على مقعدها، والذي تقرر في النهاية أن يبقى فارغا. كما وقع الخلاف، أيضا، بشأن أي عََلم يوضع على الطاولة، رغم أن سياسيا أردنيا ينفي ذلك، ويؤكد أن الاتفاق حول مضمون قرار سورية لم يأخذ هكذا منحى.
في النهاية، كان الحل الوسط هو الأسلم، كما هي عادة العرب؛ إذ تقرر أن تحضر القمة المعارضة السورية، ممثلة برئيس ائتلاف المعارضة أحمد الجربا، شريطة أن يدخل في وقت انعقاد القمة، حيث يلقي كلمة سورية ثم يغادر.
الخلافات حول سورية تشعبت وامتدت؛ إذ رأى فريق ضرورة اتخاذ خطوات تخفف من معاناة الشعب السوري، وتقديم مبادرة بهذا الخصوص للدول المتحكمة بالصراع، فيما فضل آخرون العمل وفق مبدأ "سكِّن تسلم". ولذا، جاء القرار هنا استمرارا لما تم في قمة الدوحة.
حول سورية، الأقوال لا تنسجم مع القرارات؛ فكل الدعوات إلى ضرورة إنهاء معاناة الشعب السوري ووضع حد للقتل الذي يتعرض له، بوقف اعتداءات النظام على المدنيين، انتهت بقرار تقليدي لا يقدم خطوة في الحل، بل ولربما يؤخره.
الملف الثاني الذي ظل مثار حديث وجدل، هو الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي. وفي هذا الصدد، يستبعد سياسي أردني أن تطفو الخلافات على السطح خلال القمة، أو أن تُبحث على طاولة القادة، حفاظا على سير القمة بسلام، أولا؛ وعلى اعتبار أن الموضوع يخص البيت الخليجي وحده، ثانيا. السياسي يختم الحديث بالقول: "لكن لا ننسى أن القمم العربية تحمل المفاجآت أحيانا".
بالمجمل، ما يزال المراقبون يرصدون مستوى تمثيل الدول في القمة، وتحديدا عقب التطورات الكبيرة التي لحقت بكثير من الدول وقياداتها، وانشغال كل منها بهمومها الداخلية، ومنها الشقيقة الكبرى مصر. لكن يبقى الحضور الخليجي هو الأهم والأكثر حساسية، على اعتبار أن مستوى هذا الحضور يبعث رسائل مهمة حول ماهية العلاقة القائمة، ومدى التوتر الذي بلغته.
ففي قراءة وتحليل مستوى الحضور، يقرأ المراقب مدى التوتر الذي يعتري العلاقة الخليجية، رغم محاولات الكويت؛ الدولة المستضيفة، التخفيف منه، على الأقل قبل بدء القمة.
بالنتيجة، قرارات وزراء الخارجية التي تعكس، بالعادة، توجهات الدول، لم تأتِ بجديد؛ فمعظم القرارات سمعناها وقرأناها منذ سنوات طويلة. وحتى الفنيون الذين يطبعون هذه القرارات يوفرون جهدهم، ويكتبون ملاحظة "بند دائم"، في إشارة إلى استمرار ترحيل التنفيذ.
والظاهر أن كثيرا من قرارات القمم العربية ستبقى، للأسف، "بنودا دائمة"، طالما أن الفوضى والخلاف والمصالح القُطرية المتضخمة هي المسيطرة.
نجحت الكويت في عقد القمة. لكن الدول المشاركة لم تتمكن من اقتناص فرصة جديدة لطيّ ملفات تؤرق الشعوب، وتخفف من معاناتها التي ستطول.
لم تختلف القمة الحالية عن سابقاتها، اللهم باستثناء وجود أزمات جديدة، طرأت خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، ولا ندري إلى كم قمة مقبلة ستبقى تُرحّل!