على مدى يومين، سعى المشاركون في ملتقى الحوار الإعلامي القانوني إلى الوصول لتفاهمات لأولويات إصلاح الإعلام في الأردن، وبناء خريطة طريق يحشد لها التأييد في الحكومة والبرلمان وبين الإعلاميين.
ملتقى الحوار الإعلامي القانوني الذي نظمه مركز حماية وحرية الصحفيين وشارك به أكثر من 60 شخصية وازنة من الحكومة والبرلمان ومحامون ومؤسسات حقوقية وإعلاميون سعى إلى خلق أرضية اتفاق بين كافة أطراف المعادلة، فالمشكلات إلى حد كبير أصبحت معروفة في المشهد الإعلامي، والهدف ليس إثارة الجدل والنقاش، بل توحيد الصفوف بدلاً من التراشق بالاتهامات.
أربعة محاور توقف عندها الملتقى باستفاضة للتفاهم حولها والبحث في آليات التعامل معها، والاتفاق على خطة عمل وأجندة زمنية لتنفيذها، والبداية كانت في العرض الذي قدمه وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الدكتور محمد المومني في تصور الدولة لإنفاذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان والتي وافقت عليها الحكومة خلال اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
كثيرون لا يعلمون ـ بما فيهم أطراف حكومية ـ بأن الأردن قدم التزامات تعاقدية خلال هذه المراجعة بجنيف، وبأنه سيُسأل عنها في عام 2017.
وما يهمنا في هذا الملف التوصيات المتعلقة بالإعلام التي صادقت عليها الحكومة، بما فيها من تعديلات تشريعية، والتزامات حقوقية بمساءلة منتهكي حرية الإعلام، والهدف أن نبدأ من الآن بمأسسة العمل لإنفاذ هذه التوصيات، بدل أن نعلن حالة الطوارئ بعد أن تمضي السنوات ونكتشف أننا لم نضع منهجية عمل، ولا خطة زمنية للتنفيذ، ولم نشرك مؤسسات المجتمع المدني، ولم نستمع لتصوراتها في إنفاذها وتقديم الحلول، على الرغم من أن التقرير الذي يقدم في جنيف للمراجعة الدورية هو تقرير وطني للدولة وليس تقريراً حكومياً.
والأهم في هذا السياق؛ بناء آليات رقابة مجتمعية على خطة عمل الحكومة لإنفاذ هذه التوصيات، ووضع مؤشرات قياس فاعلة تحصّن الدولة الأردنية من الفشل، وتدفع بها خطوات في تعزيز حقوق الإنسان.
المحور الثاني في نقاشات الملتقى كان حالة التشريعات الإعلامية وأولويات التغيير الملحة، والجميع متفق على حزمة من القوانين التي لا بد من التعامل معها عاجلاً، أبرزها قانون المطبوعات والنشر، وقانون الإعلام المرئي والمسموع، ومحكمة أمن الدولة، ونقابة الصحفيين، وجميع هذه القوانين موجودة على طاولة البرلمان، وهذا هو الوقت المناسب لبناء توافق حولها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن هناك تفاهماً بأنه لا ضرورة أبداً لترخيص الإعلام الإلكتروني، ويكتفى فقط بالتسجيل عند مراقب الشركات والمطبوعات، وهناك طموح بأن توضع آليات واضحة للوصول بالإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء "بترا" إلى مفهوم الإعلام العمومي على غرار تجربة BBC، وقطعاً متفقون على أنه لا يجوز أن تنظر محكمة أمن الدولة مهما كانت المبررات في قضايا مقامة على الصحفيين بسبب النشر، ومهما كانت الوسيلة الإعلامية.
ما كان إشكالياً وجدلياً وخلافياً في الملتقى هو فكرة تأسيس "مجلس شكاوى" ينصف المجتمع من تجاوزات وأخطاء الإعلام، وهو إطار شائع في كثير من الدول الديمقراطية بعضها في سياق التنظيم الذاتي، وأخرى مشرع بالقانون.
والحقيقة أن وجود مجلس الشكاوى لا يحمي المجتمع فقط، بل يحصن الإعلاميين ويسهم في رفع سوية الاحتراف المهني، وبالغالب يقلص عدد القضايا المقامة على الإعلاميين بالمحاكم باعتبار المجلس "هيئة تحكيم" ومساءلة مهنية وأخلاقية.
الانتهاكات الواقعة على الإعلاميين وأمنهم المعيشي والوظيفي كانت آخر المحاور التي ناقشها الملتقى، بحثاً عن آليات فعالة لمساءلة المنتهكين ومنع إفلاتهم من العقاب، وفي الوقت ذاته حماية حقوقهم ووضعهم المهني بعد تعثر صناعة الإعلام وخاصة المكتوب بالأردن.
قيمة ملتقى الحوار الإعلامي القانوني في المتابعة لهذه الأفكار والتصورات والخطط وآليات العمل التي اقترحها المشاركون من كافة الأطراف، والكرة الآن في ملعب مركز حماية وحرية الصحفيين ليعد "ورقة موقف" يحشد لها التأييد حتى لا يضيع المزيد من الوقت، والإعلام يكون الضحية!.