من نيويورك إلى طوكيو، ومن شنغهاي إلى سيدني، تلقت الأسواق المالية العالمية هذا الأسبوع ضربة موجعة أعادت إلى الأذهان أجواء الأزمات الكبرى مثل 2008 و2020. لم تكن العوامل التقليدية من ركود أو ضعف نمو هي ما أشعل موجة الهلع، بل قرار سياسي مفاجئ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن فرض رسوم جمركية مفاجئة شملت حتى أقرب الحلفاء. والنتيجة؟ موجة بيع عنيفة أسفرت عن خسائر فاقت 10 تريليونات دولار في أيام معدودة، نتيجة موجة بيع جماعي بدأت من الولايات المتحدة وامتدت شرقاً، وصولاً إلى الأسواق الآسيوية.
الأسواق قرأت الخطوة بوصفها إعلاناً واضحاً عن تطبيق فعلي للنهج الحمائي للولايات المتحدة، وهو نهج لطالما أربك التجارة العالمية ورفع منسوب التوتر في العلاقات الاقتصادية الدولية. الرد الصيني لم يتأخر، فجاء بفرض رسوم مضادة، في مشهد يعيد إلى الأذهان بدايات الحرب التجارية بين القوتين في 2018. ووسط التوقعات بأن تنضم دول أخرى إلى هذا التصعيد، دخلت الأسواق في حالة هلع مفتوح، مع تزايد المخاوف من أن يتحول المشهد إلى مواجهة اقتصادية متعددة الطرف تضعف النمو العالمي وتعطل سلاسل التوريد.
الهزة الأولى كانت في طوكيو، حيث استيقظت سوق الأسهم اليابانية على كارثة. مؤشر نيكي فقد 8% من قيمته مع افتتاح جلسة الاثنين، مسجلًا أدنى مستوى له منذ تشرين الأولأكتوبر 2023، في تراجع دراماتيكي يعكس حجم الذعر. البنوك اليابانية كانت الأكثر تضرراً، إذ خسرت قرابة 17% من قيمتها السوقية، في ظل تخوف المستثمرين من الركود، وعودة أجواء الانكماش التي كانت تلاحق الاقتصاد الياباني لسنوات. وبسرعة، امتدت العدوى إلى باقي الأسواق الآسيوية؛ حيث شهدت أوستراليا تراجعاً بأكثر من 6%، في حين هبطت السوق الكورية بنسبة 4.4%، وسجل مؤشر هانغ سنغ في الصين انهياراً بـ9%، مع هبوط حاد في أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "علي بابا".

في الوقت نفسه، قفزت عقود التأمين ضد تعثر الديون في آسيا إلى أعلى مستوى لها منذ آذار (مارس) 2020، ما يشير إلى ارتفاع كبير في القلق الائتماني. كما تراجع مؤشر MSCI لأسواق آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 7.1%، وهو الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. هذه المؤشرات مجتمعة لا تعكس ردة فعل عاطفية أو تصحيحاً موقتاً فحسب، بل تشير إلى أن الأسواق تواجه خطراً هيكلياً ناتجاً من قرارات سياسية قد تُفجّر أزمة ثقة عالمية جديدة.
السياق الاقتصادي العالمي يزيد المشهد تعقيداً. فالعالم لم يتعافَ كلياً بعد من آثار التضخم المرتفع، كما أن السياسات النقدية المتشددة في أميركا وأوروبا أضعفت شهية المستثمرين للمخاطرة. وبالتالي، فإن أي توتر جديد في النظام التجاري العالمي يأتي في وقت بالغ الحساسية، ما يزيد من هشاشة الأسواق، ويدفع المستثمرين إلى الهروب نحو الأمان، ولو على حساب نمو اقتصادي حيوي.
ما يزيد المخاوف هو غياب مؤشرات على تراجع ترامب عن نهجه، بل إن الخطاب السياسي الداخلي الأميركي بات أكثر تقوقعاً وانغلاقاً، ما قد يجعل من الحروب التجارية ورقة ضغط سياسية تُستخدم في الحملات الانتخابية، دون اعتبار لتداعياتها العالمية. وإذا لم يتم احتواء التصعيد، فإننا مقبلون على مرحلة اضطراب حاد قد تعيد تشكيل موازين التجارة والتمويل في العالم.
في المحصلة، لم تعد الأسواق العالمية تتحمل مزيداً من الصدمات. والعالم يقف على عتبة مرحلة جديدة، يكون فيها القرار السياسي الداخلي في دولة واحدة، قادراً على سحب البساط من تحت النظام المالي العالمي. فهل تستفيق الحكومات قبل أن تفلت الأمور من يد الجميع؟