اتّسع نطاق الحرائق الكثيرة المستعرة في لوس أنجليس منذ خمسة أيام والتي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلاً، السبت لتطال مناطق كانت بمنأى من النيران.
وأتت هذه الحرائق على أجزاء كاملة من ثاني كبرى المدن الأميركية، مدمّرة أكثر من 12 ألف مبنى و15 ألف هكتار من الأراضي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن خلال اجتماع في البيت الأبيض إن المشهد "أشبه بساحة حرب وعمليات قصف".
وتشير التقديرات إلى أن عدد المفقودين يصل إلى 13 على الأقل حتى الآن.
ورغم الأعداد الكبيرة للإطفائيين المشاركين في احتواء الحرائق، صدرت أوامر إخلاء طالت الجزء الشرقي من باسيفيك باليسايدس في منطقة تضمّ خصوصاً مركز غيتي. وتُعرض في هذا المتحف الشهير المشيّد في جزء منه بحجر مقاوم للنيران 125 ألف تحفة فنية.
ويتوقّع أن تشتد الرياح التي تراجعت سرعتها الجمعة، اعتباراً من السبت، وفق الوكالة الفدرالية للاستجابة للكوارث الطبيعية، ما يضعف الآمال في احتواء الكارثة.
ووُجّهت انتقادات إلى السلطات على خلفية مدى جهوزيتها وطريقة استجابتها، رغم أنّه من المبكر معرفة سبب الحرائق.
وقالت مسؤولة فرق الإطفاء كريستين كراولي لمحطّة "كاي تي تي في" التابعة لـ"فوكس نيوز" إن "ثمة نقصاً متواصلاً في الطواقم والموارد والأموال".
لكن خلال مؤتمر صحافي عقد السبت بحضور كراولي، قلّلت رئيسة البلدية كارين باس من أهمية التوتّرات السائدة، مشدّدة على أن المسؤولين السياسيين وأجهزة الإغاثة والأمن كانوا "جميعاً على الموجة نفسها".
وأعلنت المكسيك السبت إرسال تعزيزات للمساعدة في مكافحة الحرائق في لوس أنجليس.
حظر تجوّل
وتلقى السكّان تحذيرات من احتمال تدهور الأحوال الجوية خلال الأيام الثلاثة المقبلة ما قد يؤدّي إلى زيادة اشتعال النيران.
وقال المسؤول في إدارة الإطفاء بولاية كاليفورنيا تود هوبكنز للصحافيين في مؤتمر صحافي أمس السبت إنّه على الرغم من احتواء 11 بالمئة من الحرائق في حي باسيفيك باليساديس، فإن النيران أتت على أكثر من 22 ألف فدان (8900 هكتار).
وأضاف أن حريق باليساديس امتد إلى حي ماندفيل كانيون. وهناك مخاوف من وصول الحريق إلى حي برينتوود الراقي الذي يعيش فيه مشاهير.
وحذّرت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية من تفاقم رياح "سانتا آنا". وتوقّعت الهيئة أن تشتد قوّة الرياح خلال الساعات المقبلة في مقاطعتي لوس أنجليس وفينتورا لتصل سرعتها إلى 30 ميلاً في الساعة مع هبات رياح بسرعة 70 ميلاً في الساعة.
وذكرت خبيرة الأرصاد الجوية في الهيئة روز شونفيلد "نحن في فترة متواصلة من طقس الحرائق الخطير حتى يوم الأربعاء". ومن المتوقّع أن تهدأ الأحوال الجوية بحلول يوم الخميس.
وأعرب البابا فرنسيس السبت عن "الحزن" بسبب الأرواح المفقودة والأضرار، مبدياً "تعاطفاً روحياً" مع المنكوبين بهذه "الفاجعة"، وفق برقية وجّهها إلى رئيس أساقفة لوس أنجليس.
في ظل عمليات النهب التي تكثر في المناطق المنكوبة أو التي أخليت من سكّانها، فرضت السلطات حظر تجوّل صارماً يسري بين الساعة السادسة مساء والسادسة صباحاً، في منطقتي باسيفيك باليسايدس وألتادينا الأكثر تضرّراً.
إزاء حجم الأضرار، طلب حاكم كاليفورنيا غافين نيسوم الجمعة "مراجعة مستقلة شاملة" لأجهزة توزيع المياه في المدينة. وقد وصف نقص إمدادات المياه وفقدان الضغط في صنابير الإطفاء في اللحظات الأولى، بأنه "مقلق جدّاً"، وهو الأمر الذي تسبّب باتساع رقعة الحرائق.
وكتب في رسالة مفتوحة "نحن بحاجة إلى إجابات لمعرفة ما حدث".
والتهم الحريق الرئيسي من أصل أربعة حرائق لا تزال نشطة، أكثر من ثمانية آلاف هكتار على ساحل ماليبو وحي باسيفيك باليسايدس الراقي حيث أكّدت فرق الإطفاء أنّها سيطرت على 11 بالمئة من النيران صباح السبت.
ومن الأشخاص الذين فقدوا منازلهم، الممثل ميل غيبسون الذي قال لـ"نيونايشن" إنّه مصدوم جدّاً لخسارته منزله في ماليبو.
واعتبرت نيكول بيري التي أتت النيران على منزلها في باسيفيك باليسايدس، في تصريح لـ"فرانس برس" أن السلطات "تخلّت بالكامل" عن السكان.
وحضر الأمير هاري وزوجته ميغن ماركل اللذان قطعا العلاقات مع العائلة الملكية البريطانية سنة 2020 وانتقلا للعيش في كاليفورنيا، لمواساة المنكوبين في باسادينا.
وأخليت مئات آلاف المساكن في لوس أنجليس في ظلّ تواصل أوامر الإخلاء التي صدر بعضها من طريق الخطأ.
ونشرت تعزيزات عسكرية، فيما أوقف عشرات الأشخاص.
مخاطر صحّية
إلى ذلك، حذّرت السلطات الصحّية من المخاطر الصحية الناجمة من دخان حرائق الغابات وحضّتهم على ملازمة منازلهم.وقال أنيش ماهاجان من إدارة الصحة العامة في مقاطعة لوس أنجليس في مؤتمر صحافي "نحن جميعاً نواجه دخان حرائق الغابات وهو مزيج من الجسيمات الصغيرة والغازات وأبخرة الماء".
وأضاف "إنّها جسيمات صغيرة تدخل إلى الأنف والحلق وتسبب التهاب الحلق والصداع". وتابع "في المناطق التي يكون فيها الدخان مرئيا أو تكون هناك رائحة دخان، وحتى في الأماكن التي لا يمكنكم رؤية (الدخان) فيها، نحن نعلم أن جودة الهواء رديئة، لذا يجب عليكم الحد من تعرّضكم للهواء الطلق قدر الإمكان".
ووفقاً لماهاجان، يتوجّب أيضاً على الأشخاص الذين يتمتعون بصحّة جيّدة البقاء داخل المنازل قدر الإمكان واستخدام نظام لتنقية الهواء. وأوصى من يضطرون للعمل في الهواء الطلق بوضع كمامة للوقاية من الجسيمات الدقيقة.
أما الشباب وكبار السن والمرضى فيجب عليهم خصوصاً توخّي الحذر.
انتقادات
دعت السلطات سكّان كاليفورنيا إلى الاقتصاد في استهلاك المياه لأن ثلاثة خزانات تغذّي محطّات مكافحة الحرائق فرغت.
وقد تكون كلفة هذه الحرائق الأعلى حتى الآن. وقدرت "أكيو ويذر" الأضرار والخسائر بما بين 135 و150 مليار دولار.
واعتبر الرئيس بايدن أن "ديماغوجيين كثيرين" يحاولون استغلال المعلومات المغلوطة قيد الانتشار بشأن الكارثة.
ولم يُسمّ بايدن أشخاصاً محدّدين، غير أنّ خلفه الجمهوري دونالد ترامب نشر كمّاً كبيراً من المعلومات الخاطئة على شبكته "تروث سوشل"، إذ قال خصوصاً إن كاليفورنيا تفتقر للمياه بسبب السياسات البيئية للديموقراطيين التي كانت تستخدم مياه الأمطار لحماية "سمك لا فائدة منه".
والرياح التي تهب راهناً معروفة باسم "سانتا آنا" وهي مألوفة في فصلي الخريف والشتاء في كاليفورنيا. لكن خلال الأسبوع الحالي بلغت حدّة غير مسبوقة منذ العام 2011، على ما أفاد خبراء بالأرصاد الجوية.
تشكّل هذه الرياح كابوساً للإطفائيين لأن كاليفورنيا عرفت سنتين ماطرتين جدّاً أدّتا إلى إنعاش الغطاء النباتي الذي يبس حالياً بسبب الشتاء الجاف الذي تشهده المنطقة.
ويشير علماء بانتظام إلى أن التغيّر المناخي يزيد تواتر الظواهر الجوية القصوى.