مزايدات الولاء والانتماء العشائرية والشخصية إلى متى ؟؟
د.طارق عبد القادر المجالي
من المخجل أن يتبارى أبناء الوطن الواحد والوحيد أيا كانت الذرائع إلى ابتكار أساليب متنوعة للتعبير عن مقدار محبة القائد ،وحجم الانتماء لتراب الوطن ،وهي محبة مبررة ضمن المنطلقات والمرتكزات الوطنية التي نعتز ونفتخر بالانتساب إليها ، وهي قناعة كل من ارتضى بهذه البقعة وطنا ، وآمن بمشروعية نظام الحكم الهاشمي وهويته العروبية، وقدسية رسالته القومية والنهضوية والإنسانية،غير أن بعض مظاهر هذا الحب المقبول في حدوده الطبيعية قد تحول إلى مرض نفسي يحتاج معه إلى علاج مجتمعي صارم،في اللحظة التي تتحول المحبة فيه إلى النفاق غير المبرر ، ومن هذا المنطلق القومي والإنساني ليس من المقبول اجتماعيا أن نقوم بمناسبة وبغير مناسبة لنعلن ولاءنا وتجديد بيعتنا وكأنها الثوب الذي نغيره كلما اتسخ ، علما أنها بيعة واحدة مستمرة لا تحتاج إلى كل هذه الفزعات الإعلامية ، أو هذه النخوات العشائرية التي ، لا مبرر لها إطلاقا ،وبناء على المقدمة آنفة الذكر ،فإن المزايدات الوطنية المبالغ فيها لا تظهر حبا حقيقيا ،في الغالب ، ولو سلمنا جدلا بصدقها المطلق ،فإنها غير مبررة على أكثر من صعيد : فهي تشعر أبناء الوطن الواحد أنهم على طبقات متفاوتة من الولاء ، مما ينشر الضغائن المستعرة والخوف والحقد بين أبناء المجتمع الذين من المفترض أن يكونوا جميعا على درجة واحدة متساوية من صدق الانتماء والولاء وهذه هي الحقيقة الأكيدة لدى كل فئات المجتمع الأردني، ثم إن التبذير في التعبير يشعر كثيرا من المواطنين بأن الوطن بعيد عن فكرة ( دولة مؤسسات المجتمع المدني ) حين تنشأ وتترسخ فكرة ( العشيرة بدلا من المؤسسة أو النقابة أو الحزب ) ومن ثمّ تتسلق بعض الطفيليات الفردية بهذه الطرق البدائية لاعتلاء بعض المراكز الحساسة والمهمة في أجهزة الدولة ،دون أن تتوافر شروط هذه المناصب ،واستحقاقاتها الضرورية .
وللمرء أن يسأل أسئلة مشروعة : كيف لفرد بعينه أن يتجرأ بالتعبير عن ولائه نيابة عن قبيلته كلها ؟ ونحن نعرف جيدا أننا في الوقت الحاضر من غير المصدق أن نجد فردا ما يمثل أو يتحدث بلسان بضعة رجال من أقاربه الأدنين ، فما بالك بمن ينوب عن عشرات الآلاف من قبيلته ،ليقول ( باسمي وباسم عشيرة كذا...) لذلك أتمنى على وسائل الإعلام أن تشترط على أصحاب الإعلانات مدفوعة الثمن ،وهذه الولاءات المجانية رغم أنها مكلفة ماديا ،أن توقف هذا النزيف الكلامي بمطالبة هؤلاء أن يعبروا عن ذواتهم أو بإحضار تواقيع من يمثلونهم ، وعلى المتصلين بأن يتحدثوا عن أنفسهم وحسب ؛ لأن إبداء الرأي أو حجبه حق مصون لكل فرد هو حرٌّ في أن يختار وسيلته للتعبير عن حبه أو ولائه وانتمائه كما يريد هو.
إن أشرطة الرسائل القصيرة في التلفزيونات ، والإعلانات على صفحات الجرائد هي في عداد الأموال التي أشك أنها من جيوبهم ، وهي أموال مهدورة وإسراف لا طائل تحته مجتمعاتنا أولى بها ، وأنا على يقين من أن أحدا قد طلب منهم شخصيا مثل هذا السلوك ، بل إن كثيرا من إعلاناتهم، يكون مدعاة للضحك والاستهزاء نحن مقتنعون قناعة أكيدة أنها وسيلة خبيثة للاحتيال ،والنفاق للحصول أو الوصول إلى غاية في نفس يعقوب إما بفرصة عمل مرموقة ،أو بلقب ( شيخ عشيرة ) فقط لأنه استطاع أن يدفع ثمن الإعلان !!
الولاء والانتماء ليس كلاما ولا إعلانا ولا بيانا ولا مهرجانا تغطى نفقاته من مصروفات الدائرة ، إذا (سلمت الفاتورة من العبث )ولا تصريحا ولا نفاقا ولا رقصا وزمرا وتطبيلا ، بل هو قيمة جوهرية مشعة تعكس ما في النفس حواليك ،مهما كانت طبيعة عملك ،والخدمة التي تقدمها لمجتمعك ، ليظهر كل هذا في حرصك على أوقات عملك ، واحترام النظام العام ، في محبتك لمحيطك ،ولبيئتك ولدائرتك ، وإني لأتعجب من ولاءاتنا الزائفة ، وانتماءاتنا الهشة ،ومظاهر النفاق و( الضحك على الذقون )حين أرى الإهمال وعدم المتابعة لشوارعنا الممزقة، ومدارسنا المهلهلة ، ومستشفياتنا المريضة ، ودوائرنا الحكومية البائسة ، وليس من صالح مجلجل إلا ألسنتنا وحناجرنا وذواتنا المتضخمة المتورمة أوراما غير حميدة ،وبما هو شكلي ومظهري.
يجب على أبناء الوطن الواحد أن يبتكروا أساليب حضارية جديدة للتعبير عن الأفراح الوطنية ، تتبناها جهات رسمية وشعبية كالنقابات والأحزاب والمؤسسات العامة والخاصة ، إن كان ولا بد ، بدلا من تعزيز دور العشائر في هذه المسائل ،ليعتقد أبناؤها أنهم فوق الدولة والقانون . وهل من المعقول أن بعض العشائر الأردنية تقيم احتفالات ولاء وبرعاية حكومية بعيدا عن فكرة المنطقة أو المحافظة أو الحزب أوالتجمع متعدد الألوان ، ليتبارى غيرهم في إقامة احتفالات مماثلة ( رد نقا ) وإلا اتهموا بعدم الانتماء ! هل هذا معقول ؟؟
لا أظن أحدا يزاود على أحد في وطنيته، وفي حبه للقيادة بعد أن قسمنا المواطنين إلى مؤيدين ومعارضين ، ولأن التأييد والمعارضة لها علاقة بالبرامج ،فإنه من غير المستساغ أن ننكر أو نحجر على أحد انتماءه وصدق توجهه ،ووسيلته في التعبير عن حبه حتى ولو كان من أشد المعارضين لتوجهات الحكومة.
كلنا أردنيون ، وكلنا عشاق ليلى ،وهي الجميلة التي تستخف بطلاب الشهوة والمتعة القصيرة، ولا تحتفي وتسلم ذراعيها إلا لفارس الانجازات ، وصاحب الهمة العالية الذي يفتديها بدمه .
Tarq_majali@ yahoo.com