أهازيج وهتافات هنا ودعاء وصلوات هناك والعاب نارية وزجاجات شمبانيا تُفْتَح ورقص وشعارات متفرقة ما بين هذا وذاك,حال الفرح والانتصار إحساس لم نعتده من قبل ربما سمعنا عن انتصارات سابقة من أسلافنا ولكن تجربته والعيش به للأسف لم يكن لنا شرفه فلم نرى أو نسمع سوى الدمار والقتل واغتصاب الأرض وانحدار للأخلاق في ظل الحضارة التي نقلدها من أجنبي كافر يطبق كل فنون الفساد في جميع البقاع ونحن في غفلة من أمرنا, حتى مظاهر الفرح اختلفت من مكان لآخر منها ما يثلج الصدر ويَعِدُ بمستقبل أفضل لبشرية ابتدأت أن تَعِيَ الأزمة التي نعيشها, ومنها ما هو دليل على انه لا زال الدرب بعيدا عن نصرة الله الموعودة بِبُعْدِنا عنه والتمسك بأخلاق وعادات غريبة عنا , فالخالق يتقرب إلينا بالنصر والنجاة من الطغاة والظلمة والكثير منا يبادره بالخذلان والمعصية .
الأحداث التي جرت ولا زالت تجري في منطقتنا من ثورة وانتفاضة على الأنظمة السياسية كثير من المحللين يقولون أنها انعكاسات وردود أفعال على الكثير من الظلم الذي حاق بالشعوب, فعلا إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة ولا يقيم دولة الظلم ولو كانت مسلمة, وأضيف أنها ربما انتفاضة على النفس البشرية فقد سئمت من الرّداء الذي لبسته طوال السنين والعصور رِداء الذل والمهانة الذي تجرعته من الخضوع متناسيين فطرتهم التي فطرها الله سبحانه ومكانتهم التي كُرّمت من بين الأمم (كنتم خير أمة ُأخرجت للناس) محاولين مجاراة تلك الحضارة التي تحمل في يدٍ السلاح والداء وفي اليد الأخرى تحمل الحلول الديمقراطية الزائفة والدواء , وما حدث مؤخرا باستخدام واشنطن لقرار النقض"الفيتو" ضد مشروع عربي يُدين الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية, ما هو إلا شاهد عيان على كل ما قدمته ولا زالت تبُثّ سمومه من سياسة قذرة للتحكم وفرض السيطرة على العقول والمقدّرات , فمتى وصلت تلك الجهات إلى مبتغاها تَنَكّرَت للجميع,وهذا ما شاهدناه من موقف أمريكا ودول أوروبا لرئيسي مصر وتونس المخلوعين,فلم تستفد وتتعِظ تلك الرموز التي ظهرت وارتقت على أجساد الشعوب والتي وضعت أكفها بأيديهم الملوثة وصافحتهم ضد أبناء جلدتهم بل لهم خزي في الدنيا وفي الآخرة عذاب شديد قال تعالى" كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(16)فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ(17)سورة الحشر, ولعلها عبرة للأنظمة السياسية الأخرى التي لا تزال أكفها تصافح أيدي الطغاة واضعين مستقبل شعوبها بين مطرقة الفُرقة والفِتن وسندان استقرار الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي على حساب الحق.
الأعمال الشعبية العفوية تأتي من انتفاضة الفرد وعدم قدرته على الاستمرار لتحمل ذاك الرداء البالي الذي جعل الجسد كله ملتهبا لا يقوى على المزيد من الخضوع والمهانة فلم تعد تُجْدي نفعا الجرعات المهدئة وهي ثورة مباركة إذا حدث التغيير الايجابي من النفس البشرية ومنها لما حولها ولكن للأسف تجري إعادة توجيه تلك الأعمال المشرّفة من قبل أجهزة معينة وفق شبكات ومؤسسات سبق التعامل معها لتحريف النتائج المستقبلية (تقسيم البلاد والعباد), هناك مصانع منتشرة ليست مختصة بالبضائع ولكن اختصاصها ينفرد بتصنيع الشخصيات منها المنظمات المتعددة العنصرية والعرقية والطائفية وتفكيك الأخلاق بأنواعها ومحاولة تعميمها فيما بيننا وإعطائها الدور الأبرز للظهور على جميع الساحات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وهدفها ينصب على فكرة إنهاء الهوية العربية المسلمة والوحدة الوطنية بحيث أصبحنا أمام دول تتشكل من هذه الشخصيات, فالحذر واجب من تلك الجهات التي تحاول التسلق على ثورة الأشراف الرجال الذين نريد أمثالهم في كل مكان ,فأمتنا لازالت بخير, بالرغم من السواد الهائل الذي يحيق بنا إلا أن هناك نقطة ايجابية بكل ما حدث , فالأمة تنتج رجالا قادرين على التصدي لأشباه الرجال المصنّعين في تلك المصانع الغربية ,هذا المنتج الجديد من أبناء الشرف القادر على حمل رسالة وِحْدة هذه الأوطان العربية المسلمة, والقادر على القيادة والمواجهة.
عالمنا الإسلامي العربي مبشّر بالرغم مما نراه من أشياء تُدْمي القلب , فنحن بحاجة لفكر وجهد يُوْقِظ ليُنْقِذ ويُنْجِز لا لفكر يُجْهِض ليُنْبِذ ويُخْرِس, فكلما هدأت الهمم فينا وجدنا هؤلاء الرجال الأشراف الأحرار هبّوا لتتسارع عجلة العاصفة وتقترب من الوصول إلى الهدف الأكبر ألا وهو الاستقرار الذي يسود جميع بلادنا ولن يكون هذا متاحا ولا بأي حال من الأحوال إلا باستقرار الأوضاع في القدس وتحرير الأقصى من الغاصبين الصهاينة وغير هذا ستظل أمتنا تتخبط إلى أن تنتج ذاك الجيل الذي نرجوه من الرجال والنساء الذي سيعيد أمجاد الإسلام والعروبة ليقتفي أثر الفاروق عمر رضي الله عنه ومن سبقه والذي تلاه البطل الأيوبي صلاح الدين فالنصر قادم بوعد الله وهمّة الرجال والنساء, فأين أنا وأنت وغيرنا من هذا المنتج؟وهل نستطيع أن نكون ممن يحمل رسالة وحدة الأوطان؟ دعوة لمراجعة النفس وسؤالها.
Enass_natour@yahoo.com