أخبار البلد - سامر خير احمد
لو أن عمّانتوفرت على وسيلة فاعلةوناجعة للنقلالعام، ما كان لحالهاأن تكونعلى الشاكلةالتي رأيناهاخلال العاصفةالثلجية الأخيرة،من حيث ضعف الحسالتشاركي والمسؤوليةالجماعية تجاه "الظروف الطارئة"، ومن ذلك تكدّس السياراتفي الشوارعفي توقيتغير مناسبتزامن مع هطول الثلجبكثافة؛ ولماأمكن لأحدأن يُلقيباللائمة على أحد، معتقداًأنه ليس مسؤولاً بالضرورة؛ولا لأحدأن يتصوّرأنه صاحبحقوق من دون أن تكون عليهواجبات.أما الرابط بين الاثنين، أي النقل العاموالإحساس بالمسؤوليةالجماعية، فهو أن النقلالعام، وحده،الذي يجعلأهل المدينةالواحدة ملزمينبممارسة السلوكنفسه يومياً،لأن فيه مصلحة شخصيةلكل واحدمنهم، ومن ثم التشاركفي ظروفواحدة أياًكانت تبايناتهمالعمرية والمعرفيةوالدينية والجندرية،ما يفضيإلى صياغةنوع من العلاقة اليوميةالتشاركية فيمابينهم، تجعلفكرة "التشاركية" والتعاون حاضرةفي كل يوم وحين.وكان قد أتيح لي قبل سنتينأن أستعمل،خلال شهر واحد، "المترو" في كل من سيؤولوبرشلونة ودبي. يومها، كتبتفي "الغد" إن "المترو" ليس وسيلةنقل وحسب؛إنه قبل ذلك "أداةثقافية" بالمعنىالسلوكي للكلمة،لأن الناسفي "المترو" يمارسون جميعهمالسلوك نفسه: على كل منهم أن يقطع التذكرةبنفسه آلياً،ثم أن ينتظر دقائقمعدودة لوصول "القطار"، ثم أن يجلسفي "الكابينة"، أو لا يجلس، حسب المتوفر. وقد يكون ضرورياًاستعمال الخريطةلتبديل الخطوط،والإسراع ساعتهاللالتحاق بالخطالجديد في الوقت المناسب،والانتباه طبعاًللمحطة المناسبةللنزول، والمخرجالمناسب للعودةإلى سطح الأرض. هكذا تصير في المدينة قواعدمشتركة للسكان،عليهم التزامهاوممارستها، من دون أن يتدخل أحد في شؤونأحد، أو يُقلق استقلاليتهالتامة وخصوصيته،حتى لو كانت "كابينةالمترو" ممتلئة،لا موطئلقدم فيها! أليست تلك "أعراف" اجتماعيةتصنعها وسيلةالنقل في المدينة، التيتنقل الآلاففي كل رحلة، ومئاتالآلاف في كل يوم،على الأقل،وليست ممكنةمن خلالالتكسي مثلاً،أو الباصالذي ينقلالعشرات، ولا من خلالالسيارات الخاصةبالتأكيد؟اليوم، ونحننعيد -مع العاصفة الثلجية- اكتشاف ضعف "المشاركة العامة" في مجتمعنا،بالتزامن مع عودة الحديثعن مشروعالباص السريعفي تصريحاتأمين عمّانوجولاته على مناطق المدينة،نكتشف أيضاًكم أن الحاجة ملحةللمضي في مشروع طموحومفيد وفاعلللنقل العام،لأننا نخسر،بغياب النقلالعام، ليس فقط مالاًووقتاً وجهداًيومياً، بل أيضاً إنجازاتتنموية تكرّسمفاهيم سلوكيةتتعلق بالانتماءوالواجبات والمسؤولياتالعامة. ذلك أن التنميةيمكن إنجازهامن خلالالمصلحة، ويمكنالحكم عليهابالفشل حين لا تأتيبمصلحة للناس،أو لا تلبي حاجاتهمالملحة، بشكليجعل في فكرة "الانتماء" مصلحة لكل فرد، فضلاًعن كونهاضرورة أخلاقيةوعاطفية.لا يجوز أن نغفل، كذلك،الفرص الكبرىالتي يتيحهاالنقل العامالناجح لمخاطبةأهل المدينةبخطاب واحدحول مفاهيمالسلوك تجاهالممتلكات العامة،والحفاظ على شكل المدينةونظافتها، باعتبارأن فيهاهي الأخرىمصلحة وضمانةلاستمرار ونجاحالنقل العام. إنها فرص كبرى لا تتيحها أفضلوسائل الإعلاماليوم!هكذا، يكون ضرورياًمساندة خطط النقل العامفي عمّان،لأن تعطّلإنجازها بات يتعارض مع فكرة "المدينة" نفسها، وما تتضمنه من تجليات للمجتمعالمدني، وصولاًإلى تهديدإمكانات العيشالمريح فيهامستقبلاً؛ فلم يعد ممكناًفي عالمناالمعاصر أن تستحق مدينةما وصفهاهذا، من دون أن يكون فيهانقل عام فاعل وناجح