جدل واسع يثار سنويا حول صرف الرواتب عند قرب موعد الأعياد الدينية ،فالموظفون يطالبون الحكومة بصرف الرواتب قبل الأعياد لتمكينهم من تأمين احتياجات اسرهم .واصحاب المحال التجارية يطالبون بذلك ايضا لزيادة وتيرة الحركة التجارية في الاسواق ،بينما ترى الحكومة في العديد من الأحيان ان صرف الرواتب قبل موعدها سيؤثر سلبا على الموظف ويزيد من الأعباء المالية على اسرته كونه سينتظر فترة اكبر للحصول على راتب الشهر التالي ،وهذا يثقل من ميزانية الأسرة ويمتد اثره على باقي اشهر السنة.
في الحقيقة ان هناك فوائد عديدة لتوفر السيولة المالية لدى لموظف خلال الأعياد لا تقتصر على تمكين الموظف من تأمين احتياجات اسرته وزيادة الحركة التجارية في الأسواق، انما يتعدى ذلك الى تشجيع حركة السياحة الداخلية وتحفيز الموظف للعودة الى العمل بعد العيد بنفسية جديدة لزيادة العطاء وبذل مزيد من الجهود ،لذلك كنا نرى ان المكارم الملكية السامية عندما كانت الأوضاع المالية تسمح بذلك لم تبخل يوما في منح الموظفين والمتقاعدين دفعات مالية للمساعدة في تخفيف الأعباء المالية عليهم ، وكنا نرى في العديد من الأحيان قيام الحكومات بصرف الرواتب قبل الأعياد،حتى ان بعض البنوك التجارية قامت بالأعلان في شهر رمضان الماضي عن استعدادها لتأجيل الأقساط المستحقة على الموظف لتمكينه من تأمين احتياجاته خلال الأعياد .
مايزيد القلق لدى الموظف سنويا هوضبابية وعدم وضوح التوجه الحكومي و عدم الأعلان مبكرا عن موعد صرف الرواتب سواء قبل العيد ام بعده ،وهذا يبقي الموظف في حيرة و رهينة لتنبؤات وتوقعات وسائل الأعلام المختلفة والى الأشاعات التي تتناقل بين الموظفين يوميا ،مما ينعكس سلبيا على نفسية الموظف واسرته وعلى ادائه في العمل .كما تجعل الموظف دائم التفكير في البدائل المتاحة لتوفير السيولة المالية في حال عدم صرف الرواتب مبكرا ،والسعي لتقديم طلب للحصول على سلفة مالية من مؤسسته ،أو الذهاب الى البنوك لمحاولة الحصول على موافقة لكشف حسابه لحين صرف الرواتب،أوالسعي للأستدانة من الأخرين او غير ذلك .
ان تزايد حدة المعاناة التي يواجهها الموظف واسرته خلال الأعياد في ضوء تزايد الأعباء المالية عليه ،واستمرار الجدل حول موعد صرف الرواتب خلال الأعياد ،تجعل هناك حاجة كبيرة للتفكير بوسائل للتخفيف من هذه المعاناة ،ولا شك ان الأوضاع المالية الصعبة التي يواجهها الأقتصاد الأردني تحد من قدرة الحكومة على التفكير بأي بدائل يمكن ان تزيد من الأعباء المالية على الخزينة ،الا ان ذلك لا يمنع من التفكير ببدائل اخرى يمكن تطبيقها بتدرج للحد من اثر ذلك على الموظف واسرته ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن دراسة ان يتم اعادة توزيع الزيادة السنوية والعلاوات الفنية التي تستحق للموظف سنويا أو اي زيادة استثنائية يتم اقرارها لتصبح على دفعتين تدفع خلال الأعياد او كل ستة شهور بدلا من اضافتها على الراتب الشهري مع اجراء ترتيب مع مؤسسة الضمان الاجتماعي لأعتبارها ضمن الراتب الخاضع للضمان.
فالزيادة السنوية مع العلاوات الفنية التي تحتسب على الراتب الأساسي للموظف على نظام الخدمة المدنية تتراوح من 3 دنانير شهريا (36دينارا سنويا ) الى مايزيد على 18 دينارا شهريا (196دينارا سنويا ) وبأفتراض ان معظم الموظفين تتراوح زياداتهم وعلاواتهم السنوية 7 دنانير شهريا (اي84 دينارا سنويا) فأن توزيعها على دفعتين سيمكن الموظف من الحصول على ( 42)دينارا كل دفعة في السنة الأولى وتتضاعف بالسنة الثانية وتستمر بالتزايد الى اكثر من ذلك سنويا ،ولا شك ان اضافة اي زيادة استثنائية عليها عند تحسن الأوضاع المالية للدولة سيزيد من قيمة كل دفعة ،ولو تم توزيع الزيادات التي قدمت خلال السنوات الماضية للموظفين والمتقاعدين لتدفع على دفعتين خلال الأعياد او كل ستة شهور بدلا من توزيعها على الراتب الشهري كان ممكن ان تساعد في الحد من اثر المعاناة التي يواجهها الموظفين خلال الأعياد سنويا ،كما لابد من التفكير ببدائل اضافية اخرى للتخفيف ما امكن على الموظف واسرته لأن ترك الوضع على ماهو عليه الان دون اجراءات للحد منه سيزيد من تفاقمه الى مستوى يصعب حله وفي كل الأحوال فأن اعلان الحكومة مبكرا عن التوجه لديها في توقيت صرف الرواتب خلال الأعياد وعدم تركها للتنبؤات والتوقعات والأشاعات من شأنه ان يمكن الموظف واسرته من تكييف انفسهم بناء على ذلك ،وعدم الأنشغال والترقب للقرار المتوقع حول موعد الرواتب .