طوال عمرالأزمة السورية التي قاربت عامها الثالث، لم يخسر الملك عبدالله الثاني رهاناته حيال الوضع هناك، ومآلات النظام السوري؛ ولا يُتوقع أن يخسرها بعد الضربات الغربية الوشيكة. من بين جميع زعماء العرب والغرب، كان لدى الملك التصور الأكثر واقعية وعمقا لمسار الأزمة ومدياتها؛ فبينما كانت الأغلبية في العالمين العربي والغربي، وفي الولايات المتحدة تحديدا، تراهن على سقوط سريع لنظام الأسد، ظل الملك على قناعته بأن الصراع في سورية طويل ومعقد، وأكد أكثر من مرة بأننا لن نشهد نهاية قريبة لحكم بشار الأسد. وفي ذروة التدخل الإقليمي والدولي لحسم المواجهة لصالح المعارضة، وظهور بوادر على قرب انهيار النظام، لم يتراجع الملك عن تقييمه للموقف؛ انفتح على الأفكار الأميركية والعربية الداعية إلى الحسم في سورية، لكنه لم يغامر باستنتاجات متسرعة كتلك التي تبناها زعماء وقادة في المنطقة، ولم يُلقِ بكل أوراقه خلف هكذا سيناريو. في مناسبات عديدة، أطلق مسؤولون أميركيون تصريحات غاية في السذاجة، مثل تلك العبارة الشهيرة لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون: "أيام الأسد في الحكم باتت معدودة". في الأثناء، كان الملك يصرح بأن الأسد "باق معنا حتى نهاية العام 2012". وفي لقاءاته مع مسؤولين أميركيين بداية العام الحالي، أكد أن لا نهاية قريبة للأزمة في سورية. كان الملك أول من توقع أن يأخذ الصراع في سورية منحىً طائفيا، ينتهي بالتفكيك والتقسيم؛ نظرا للطريقة التي يدير بها النظام السوري المعركة مع المعارضة، والنهج الكارثي التي سلكته المعارضة السورية وبعض الأطراف الإقليمية الداعمة لها، والذي أفضى إلى سيطرة المجموعات المتطرفة والتكفيرية على مسرح الأحداث هناك. في ضوء المعلومات المتدفقة عن الضربات الوشيكة للنظام السوري ومؤسساته العسكرية، لا يُتوقع أن نشهد تغيرا جوهريا في الوضع؛ النظام لن يسقط، وهذا ما يؤكده المحللون الأميركيون. كل ما تأمله إدارة الرئيس أوباما هو تغير في ميزان القوى، يدفع النظام إلى القبول بمؤتمر "جنيف 2"، وتقديم تنازلات تفضي إلى انتقال للسلطة. بيد أن آخرين يرجحون أن يُظهر نظام الأسد بعد الهجوم الأميركي تشددا أكثر في مواقفه، والتصرف كمنتصر لم يفلح "الأعداء" في إسقاطه. في المقابل، قد يغري ضعف النظام أطرافا في المعارضة والمجتمع السوري للسير في مخططاتها بإعلان كيانات انفصالية. في الحالتين، يحتفظ تقييم الملك للوضع السوري بصدقيته؛ فالنظام باق في كل الأحوال، بصرف النظر إن كان سلك طريق جنيف أو طريق المواجهة. أحياناً، يخلط البعض بين نظرة الملك الواقعية للوضع في سورية، وبين التدابير التي يتخذها الأردن بالتعاون مع الولايات المتحدة لحماية المصالح الأردنية من تبعات النزاع السوري، ليخلص إلى استنتاج خاطئ مفاده أن الأردن يضمر غير ما يعلن من مواقف.
الأمر ليس كذلك بالطبع؛ فالواقعية في التقييم لا تعني انحيازا للنظام السوري، واتخاذ إجراءات احترازية على الجبهة الشمالية، لا بل والانفتاح على التيارات المعتدلة في المعارضة السورية ودعمها، لا يعنيان انخراطا في "المؤامرة الكونية" على النظام السوري "المسالم". قد يبدو في مقاربة كهذه قدر من التناقض، لكنّ صراعا معقدا ومركبا كحالة سورية، يتطلب ديناميكية سياسية تتجاوز المواقف السطحية والانحيازات الحادة التي اتخذتها أطراف عديدة، ولم تجلب لسورية وشعبها سوى المزيد من الآلام والدمار. كان يمكن لنظرة الملك الواقعية أن تجنب سورية والعالم مخاطر المواجهة العسكرية، لو أن الفاعلين في الصراع أخذوا بها. لكن ذلك لم يحدث للأسف، وها نحن جميعا ندخل في رهان القوة، والأرجح أن يخسره الجميع أيضا.
فهد الخيطان