افتعال 'أزمات' اقتصادية ومعيشية تهيلها علينا حكومة ظلت تقطع أيدينا لتشحد عليها، والآن ترهن رؤوسنا لتقترض عليها.. لا يجد المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الحكومة وطاقمه الاقتصادي الحد الأدنى من الاهتمام الجاد. ووصل الأمر حدَّ أن يكون ما نشر تحت عنوان 'تفاصيل' ذلك المؤتمر، لا يتعدى نصف صفحة، ما جعلني أعممها مرفقة بتساؤل :' إذا كانت هذه هي التفاصيل فكيف يكون الموجز أو المختصر؟!'. وهذا يعكس غياب مصداقية الحكومة، لدرجة أن تناول مواقع الإنترنت لأخطر ما قاله الرئيس، وهو توقعه قيام 'حرب كيماوية آتية من سوريا' جاء متسما بالسخرية، كالتعليق بأن أحد أقرباء الرئيس استورد أقنعة وقاية مصنوعة في الصين لم تلق رواجا فجاء تصريح الرئيس ذاك لتسويقها!!وهذا يؤشر على 'شر البلية'، ولكنه لا ينفي وجوب وقفة عاقلة أمامه تمحو أية إمكانية للضحك، وبخاصة حين تتوالى تغطيات خارجية جادة 'حتى الموت'..حسب التعبير الإنجليزي البليغ. فالرئيس، المغرم 'بالتذاكي' موضع التعليقات الساخرة، تحدث هذه المرة عن أخطر ما يجري في الأردن الآن والذي يمكن أن يتجاوز حدودنا الشمالية ليعم الوطن كله، بما يوجب أن نتوقف عن اعتبار تصريحاته 'بيضة وحجر'، لنتبين أين هي البيضة وأين هو الحجر.فهو هنا يتناول زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي للأردن، قائلا أنه جاء 'لحماية الشعب الأردني'! ومم؟ يكمل الرئيس: 'يبدو أن هناك سلاحا كيماويا... ما دامت الأمم المتحدة تحقق في الموضوع فمن واجبي أن افترض أنه موجود وأن آخذ الاحتياطات...ومن واجبنا أن نحمي شعبنا وقرانا الحدودية، وخاصة مخيم الزعتري حيث يقيم 130 ألف لاجىء سوري إذا رماهم أحد بالكيماوي فإن هذه ستصبح جريمة العصر'. وشدد على أنه لم يتهم طرفا باستخدام السلاح الكيماوي قائلا 'أنا لم أقل من أي طرف سواء من المعارضة أو من الدولة السورية '!!ولكن حتما 'جريمة العصر' تبرر التدخل الأمريكي، بل هي لازمة له. ولم يعد سرًّا أن جزءا كبيرا من المقالتين في صفوف المعارضة السورية تريد أمريكا الخلاص منهم الآن. ولا يبدو أن هنالك اهتماما أمريكيا بشريحة الشعب التي تقع بين النظام والمعارضة والتي أصبحت غالبيتها تشكل اللاجئين، بشهادة هؤلاء اللاجئين أنفسهم. ومن هنا فإن امتناع النظام عن استعمال السلاح الكيماوي لن يدرأ 'جريمة العصر' المطلوبة، بل إن ارتكابها من قبل المعارضة أو باسمها يسهل لأمريكا ضرب النظام والمعارضة بحجر واحد. الضربة لن تميز، فلم يجر مثل ذلك التمييز في العراق لا في حرب الخليج الأولى التي استعملت فيها أمريكا اليورانيوم المنضب، ولا في حرب احتلالها التي استعملت فيها كل المحرمات وصولا لاستحداث معسكرات تعذيب كأبو غريب وغوانتانامو.ورئيس وزرائنا يظن أنه يبرئ نفسه ويؤكد حياد حكومته حين يفتح الباب واسعا للاحتمالين (أن تقوم المعارضة بالمهمة إن لم يقم بها النظام)، ولكنه لا يعرض حتى لاحتمال تكرار ما جرى في العراق بزعم ذات احتواء خطر كيماوي لم يكن واردا!ولكن حالة العراق -رغم كونها جريمة العصر لحينها- تظل مختلفة بعض الشيء بالنسبة للأردن كون أراضينا المحاذية للعراق صحراوية غير مأهولة تقربيا، فيما حدودنا مع سوريا مغطاة بمدن وقرى متلاصقة العديد منها يقوم على جانب الحدود التي لم يستكمل ترسيمها القسري في سايكس- بيكو المتصادمة مع حقائق الديموغرافيا قبل الجغرافيا والسياسة، رغم انقضاء قرن على تلك الاتفاقية.وهذا يلزمنا ألا نتوقف عند نسخة الحكومة 'المتذاكية' التي لن ينفعنا أو ينقذها تعذرها بأنها لم تقل أيهما البيضة وأيهما الحجر، بل عند ما يقوله الأمريكان والصهاينة الذين استثمروا سياسيا وعسكريا ودوليا في مخطط يتجاوز زعم حكومتنا أنها مجرد طائرات استطلاع ومنصات باتريوت وضعتها أمريكا بطلب منا ولحمايتنا. وفي هذا أحيل القارئ لتقريرين خطيرين، أمريكي نشره موقع 'غلوبال ريسيرتش 'الأمريكي، وآخر نشره موقع 'ديبكا' الاستخباراتي الإسرائيلي ونقله مترجما للعربية موقع 'البوصلة' التابع للحركة الإسلامية . وكلا التقريرين نشر الاثنين أول أمس، متزامنين مع المؤتمر الصحفي لرئيس الحكومة النسور وطاقمه الاقصادي (لتشتيت نظر الشعب المنهك اقتصاديا)، مع أن الأولى أن يكون الطاقم الحاضر طاقما أمنيا ما دام الرئيس سيتحدث عن حرب كيماوية لا أقل!كلا التقريرين يتحدث عن خطة مكتملة لحرب وضعتها السي آي أي تخاض 'بالبدائل' (منهم ثلاثة آلاف معارض سوري جرى تدريبهم في الأردن)، وذلك بعد السيطرة على درعا عبر الأردن، وعن تكليف الجنرال جون رايت (مشارك في حروب أفغانستان والعراق وليبيا) قائدا تنفيذا ومنسقا للأطراف المشاركة (أمريكا وإسرائيل والسعودية والأردن حسب التقريرالإسرائيلي).. والتقريران مليئان بالتفاصيل، وفي التفاصيل يقبع الشيطان.
الشيطان في التفاصيل
أخبار البلد -