يسري غباشنة
1/2/2011
أعيدوا لي ديناري
تلفزيوننا الأردني- حفظه الله- يصدق عليه في هذه الأيام القول المأثور: العرس بدوقرة( دوأرة) والطخّ بالطفيلة. والقول الآخر الذي نصّه: الحنّة ببلّلوقس والفاردة بجحفيّة؛ ففي هذه الأيام تمرّ الشعوب والدول العربية بأحلك الظروف وأسودها، أو بأبهى الأيام وأنصعها؛ مسيرات، مظاهرات، ثورات شعبية، رئيس يطرد، وآخر قاب قوسين أو أدنى. جنوب السودان انفصل، جنوب اليمن يتحرك، جنوب لبنان يتململ وعينه على الشمال السّنّيّ. شعوب قفزت بعفويتها وصدق مطلبها عن رموز حزبية، ومن ثمّ قام هؤلاء الرموز بالقفز على ما أنجزته الشعوب. وغير هذا وذاك وما زال تلفزيوننا الأردني( غايب فيلة)
تلفزيوننا مازال يحصر نفسه في إطار بالغ الضيق لايريد أن يتجاوز حدوده، وإذا ما فكّر في السير خطوة إلى الأمام نراه يعود القهقرى خطوات إلى الوراء، فما زال في قوالبه التي عفا عليها الزمن في كثير من سلوكاته، وأقرب مثال على هذا عدم مواكبته لما يحدث من حولنا الذي به نتأثر وفيه نؤثر، فالذي يحدث في مصر الآن لم نقرأ عنه أو نشاهده منذ أيام تحتمس ومنقرع؛ شعب ينتفض منذ أكثر من أسبوع وتلفزيوننا سادر في تجاهله لما يجري هناك، فالبرامج المملة لم تتغير، والتغطية السطحية لما يجري لم تتبدل، والشريط الإخباري بسرفس رايح جاي على خبر نصّه: جموع من المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير. نقطة انتهى الخبر. كما أن التغطية المصوّرة لاتأخذ حقها في التعليق والتحليل، ولا حقّها في الفترة اليتيمة للتغطية الإخبارية. فلا نجد أنفسنا إلا مسرعين إلى قنوات إخبارية غير مرعوبة تغطي الأحداث بما تستحق من متابعة واهتمام كالجزيرة والعربية تحديدا، بغض النظر عن توجهات وسياسة كلّ منهما.
ألا يعلم القائمون على إدارة هذه المؤسسة الوطنية أننا نعيش في عولمة سياسية اقتصادية اجتماعية .... وإعلامية شئتم أم أبيتم، ألا يعلم هؤلاء بأنّ الحصول على المعلومة أو الخبر لايكلفنا إلا الضغط على زر( إنتر) لنتجول في ربوع الفيس بوك وضواحيها، ألا يعلمون بأن الخبر المحجوب عندهم مشاع مباح في عشرات الفضائيات الأخرى والمواقع الإخبارية القريبة منها والقريبة أيضا فلا بعيد نعد اليوم؛ فالبعد الفيزيائي والرياضي اختزل وقزّم لتحتضن العالم بين يديك وأنت مقرمز أمام اللاب توب، أو قابضا على الريموت كنترول. ألا يعلم هؤلاء بأن أي مهنة لاتدوم ولا تعمّر إلا بالصقل ومجاراة العصر شكلا ومحتوى. ولكن إذا أصرّ القائمون على إدارة هذه المؤسسة بألا يرتدوا غير جلابيب باهتة متوارثة من أزمان بائدة، فسيجدون أنفسهم متعثري الخطى مقيدين بأوتاد لافكاك منها. الآخرون في الأعالي، ونحن في الوديان والقيعان.
تلفزيوننا يفتقر إلى اعتماد سياسات إعلامية ورؤى مستقبلية أكثر من افتقاره إلى إعلاميين أكفياء؛ فهاهم شبابنا تقتنصهم فضائيتا الجزيرة والعربية وغيرهما من فضائيات، في حين نفرّط بهم وبأمثالهم، ليطلّ علينا مذيعنا على شاشتنا متجهم الوجه، متكدر الخاطر، يفشل في إدارة حوار نافع؛ لأننا لانشاهد في هكذا برامج حوارية إلا شخصين الأول يطبّل والآخر يرقص كما يقال، للتشبيه ليس إلا؛ أي أننا تعودنا رؤية (س) ونسخة أخرى من( س) أيضا. فأين وجهات النظر الأخرى؟ أين الأبيض والرمادي والأسود؟ لانريد مشاهدة مسؤول يتحدث بعنتريات إنشائية، وآخر يسحّج له ويزغرد.
المواطن له الحق كله أن يفتخر ببلده ومؤسسات بلده، وكفاءات بلده؛ وهنا أطرح سؤالا غاية في البساطة هو: ما الذي جعل من محمد الوكيل مدرسة راقية ذات شعبية هائلة ابتداء من سائقي القلابات والبكمات والسرافيس وانتهاء بذوي الألقاب من عطوفة وسعادة ومعالي؟ ما ميزات الوكيل التي أرغمت المستمعين لا المشاهدين العودة إلى الراديو والمذياع فترة ساعة بث برنامجه ومن ثمّ ركنه حتى صباح اليوم الآتي؟ ما السبب وراء لجوء ذوي الشكاوى ومهضومي الحقوق إلى هذا المذيع دون غيره تقريبا. وأسئلة أخرى وأخرى والجواب بسيط جدا كبساطة الوكيل وعفويته وصدقه في الطرح منذ أن كان في التلفزيون وما زال. الجواب هو: محمد الوكيل خلع العباءات الرثّة والجلابيب المهترئة.
واستنادا إلى ماذكر فإنني أطالب بأن يردّ لي الدينار الذي أدفعه كل شهر للتلفزيون الأردني لأنه لايقدم لي خدمة توازي هذا المبلغ حتى يتمّ التعامل معه كمؤسسة بها نفخر ونعتز، وأن يدار باعتباره واجهة إعلامية تواكب الحدث، وباعتباره مكانا للجميع وليس حكرا على لون بعينه، ينافس الفضائيات الأخرى ببرامج جريئة الطرح، حسنة الإعداد والإخراج وما بينهما. وألا يتكأ على سياسات إعلامية اجترارية تستغبي المشاهد، وتستهين به. داعيا أصدق الدعاء والرجاء أن تكون مناشطنا أيًّا كانت إعلامية أو غير إعلامية ناجحة، قادرة على المنافسة والبقاء.