إذا كانت التوقعات تشير إلى قرب رحيل الحكومة الأردنية الحالية، التي تعرضت ورئيسها لانتقادات قاسية بعضها شعبي وبعضها نخبوي، على الرغم مما حظيت به من ثقة برلمانية عالية، فإن المطلوب في هذه المرحلة الحاسمة التي تهب فيها رياح التغيير في آفاق كثيرة من منطقتنا، أن نحدد من الآن مواصفات الحكومة المقبلة، ومواءمة المتغيرات والمعطيات مع الطموحات والتطلعات، وقبل هذا تحديد مواصفات شخصية الرئيس القادم، وماهية التغيير المطلوب وحدوده والغايات المرجوة منه..
في تقديري، فإن أهم تغيير يمكن أن يحصل، وهو ما تنادي به القوى السياسية والحزبية، أن يأتي رئيس حكومة حزبي يحمل برنامجاً إصلاحياً شاملاً، وهو ما تشير الحقبة الماضية إلى أنه كان أمراً متعذّراً في ضوء ضعف البنية الحزبية الأردنية العامة، فهل الظروف لا تزال هي نفسها، وهل حالة الضعف الحزبي لا تزال قائمة، بما لا يسمح ببدء مرحلة تغيير إصلاحية حقيقية في البلاد..؟!!
أقول، إن أي تغيير لا يستند إلى رؤية واضحة شفافة لن يكون مجدياً، ولا يتعدى أكثر من الضحك على الذقون، وفي أحيان يكون تغيير الحكومة اعتراضياً أو عفوياً أو سطحياً، فهل عندما تهب مظاهرة أو مسيرة حاشدة هنا أو هناك مطالبة برحيل حكومة ما أو رئيسها تدخل في التغيير الاعتراضي أو العفوي أو السطحي المجرد، أم هي دعوة احتجاجية على الأسلوب والبرنامج، مما يحتم تغييراً جذرياً برؤى وبرامج وسياسات واضحة وشفافة..!؟
وإذا كنا نتفق بأن التغيير المطلوب يجب أن يكون حقيقياً، وفي الحالة الأردنية فإنه حتى يكون حقيقياً، فإن المطلوب النظر إلى الساحة الحزبية بعناية وتجرد، والبحث عن القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة، ومنها القوى ذات الرؤية العميقة، والفهم والإدراك، التي وجّهت انتقادات موضوعية للحكومة الحالية وربما لحكومات سابقة أيضاً، انتقادات لم تكن تحمل طابعاً شخصياً، وإنما حملت طابعاً سياسياً برامجياً إصلاحياً، نابعاً من هموم الشعب وتطلعاته، وتعبر عن رؤاه في الإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين..
المحك الحقيقي هو في اجتراح الإصلاح، واقتحام بؤر الفساد، ومحاولة إشاعة العدالة الاجتماعية بين الناس، ولكن ضمن برنامج ورؤية وسياسة معلنة على الملأ، ولننظر في الواجهة الحزبية.. أي الأحزاب وأي أمنائها يحمل هذه الرؤية والشجاعة والمخزون المعرفي والفكري والتاريخي الذي يمكّنه من النجاح في إنجاز هذا المشروع الإصلاحي الكبير الذي بالتأكيد سيثلج صدر الشعب ويريحه من حالة التوتر والتشنج والعصبية المجتمعية التي باتت تعصف به، وتأكل من أطرافه..!!
من العبث أن تتغير الحكومة الحالية وقد حازت على ثقة نيابية رفيعة، إذا لم يكن البديل حكومة إصلاحية ولا أقول حكومة إنقاذ وطني حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن التغيير لمجرد التغيير لن يكون مقنعاً، وسنظل ننادي بالتغيير في كل مرة، ولكل حكومة تأتي، ما لم تبلغ الرؤية مداها وعمقها، فمن لا يملك الرؤية لا يحمل الحقيبة.. نريد أن نفهم..!!