عندما تتزاوج السلطة مع رأس المال.. بالحرام
تلجأ الحكومات أحيانا إلى الاستعانة بالخبرات الاقتصادية المحلية للاستفادة من خبراتهم الاقتصادية الميدانية لإنعاش الاقتصاد وتطويره، حيث تلجأ بعض الحكومات لاستقطاب بعض الاقتصاديين من ملاك الرؤيا العلمية والعملية لكي تكون ضمن حكومات تكنوقراط أو كمستشارين لمؤسسات الدولة للمساهمة في عملية رفع المستوى الاقتصادي للدولة ولإضفاء نوعا من الطمأنينة للمستثمرين المحليين والخارجيين، حيث يتم انتقاء هؤلاء الاقتصاديين للاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم الدولية ورؤيتهم المستقبلية .
في الوطن العربي هناك عدة نماذج للعلاقة بين النخب الاقتصادية الخاصة مع السلطات الثلاث في الدولة، وتتدرج علاقتها ابتداءا من تقديم المشورة والنصيحة والمقترحات العملية من خلال مسارات رسمية وحسب اللوائح الموضوعة وانتهاءا بالتصرف المباشر في القرارات الرسمية حسب موقعهم في مراكز القرار .
ففي مصر كانت تجري عمليات احتواء لبعض كبار المستثمرين ومستحدثي الثراء باستقطابهم للحزب الوطني الحاكم والأخذ بيدهم للوصول إلى منطقة السلطة من خلال ترشيحهم للبرلمان وتسليمهم مراكز قيادية ضمن المؤسسة الرسمية، حيث مارست السلطة عملية تبني لأصحاب رؤوس الأموال المشبوهة والغير مستقرة والتي كانت تبحث عن غطاء رسمي وقانوني لها ولاستمرار تدفقها حيث ساعد في ذلك توفر بيئة سياسية ضبابية لمصر بحكم استحواذ الحزب الحاكم بشخوصه التقليديين ذوي المصالح الشخصية طويلي الأمد على مصادر القرار ومقومات الدولة دون أي آلية لتفعيل الديمقراطية وممارسة الشفافية .
كانت المصلحة مشتركة بين رأس المال وشخوص السلطة حيث ساعد في ذلك اشتداد الحاجة للغطاء المالي لحساب المجموعة الشبقة للمال والسلطة والمتصدرة للمشهد السياسي في الدولة ، وكانت مصلحة النظام تكمن في استخدام رؤوس الأموال المشبوهة لتدعيم العمليات القذرة لمجموعة القرار في الحزب الحاكم مثل تزوير الانتخابات وشراء الذمم والعقول أحيانا والتغول على المشاريع العامة والتآمر المالي في عمليات الخصخصة، حيث كانت مهمة ضخ المال القذر تتم من خلال مؤسسات وحسابات خاصة لرموز رأس المال الملتحق بالسلطة.
بالمقابل كان أصحاب رؤوس الأموال القادمين إلى مربع السلطة يستغلون مراكزهم الحكومية الممنوحة لهم لتعويض ما تم دفعه من رشاوى وحصص شراكة لشخوص السلطة حيث كانت تمنح لهم الأراضي العامة بأثمان بخسه وتحال على مؤسساتهم العطاءات بقيم مضاعفة وتشطب الضرائب عنهم.
هذا التزاوج الحرام بين السلطة ورأس المال أدى بمصر إلى :
- 880 مليار جنيه مديونية أدت إلى رهن القرار السياسي المصري لصالح مراكز القرار الأمريكية والصهيونية بسبب اعتماد مصر الكلي على المساعدات الخارجية المشروطة.
- 42% من شعب مصر يعيشون تحت خط الفقر مما ساعد في زيادة الجريمة وبروز الجريمة المنظمة وذوبان الطبقة الوسطى.
- 23 مليون نسمة يعيشون في ما يسمى العشوائيات (بيوت من الصفيح تخلو من كل الخدمات الحكومية من ماء وكهرباء وصرف صحي) مما زاد في تجهيل فئة كبيرة من الجيل الجديد وانتشار المخدرات بشكل كبير جدا.
- انخفاض مستوى الديمقراطية إلى ما دون الحد الأدنى الإنساني بسبب لجوء السلطات إلى التصعيد البوليسي أمام أي محاولات لكشف أو الاعتراض على انهيار المنظومة الأخلاقية في ممارسة إدارة المقدرات المالية للدولة.
فيما سبق نرى أن الفساد المالي لمنظومة الحكم في مصر أدى إلى دمار اقتصادي وأخلاقي ووطني على الصعيد الداخلي مما اخرج مصر من صفوف الدول الواعدة اقتصاديا والرائدة إقليميا وخلقت مثالا فاسدا تبعته دولا أخرى في المنطقة بما يبدوا بأنه مخطط إفساد منظم للمنطقة قاطبة بدأ باستغلال الجشع الكبير لأصحاب السلطة في مصر ونمّا استمرار حاجتهم للمحافظة على سلطتهم بواسطة شراء الذمم والإفساد الداخلي لحاشيتهم وتجويع باقي الشعب لإلزام طاقاتهم ضمن دائرة البحث عن لقمة العيش فقط مما احدث بركانا من الغضب الجماهيري ما زالت مصر تعيشه قرفا بالفساد الكامن سيفا على رقابهم .
جرير خلف