التشجيع و التهواية هما نفس الشيء, الاول كلمة فصيحة و الثانية كلمة معروفة , ينضج الموضوع (الانسان او القضية) فوق جمر التحدي التي توقدها كلمات التشجيع. يجب ان تعرف متى تنسحب, و يكون لانسحابك معنى خاص اذا تركت البقية فوق جمر الغضى لا توقده كلمات التشجيع بل نيران الازمان. كلمات التشجيع تعطي برودة زائفة لأنها تذكي نيران التحدي التي تؤدي الى نضج اللحم و الى سهولة مضغه و بلعه. يجب ان نعرف متى ننسحب رغم جاذبية الموقف. استطيع ان اقول اني اعرف لماذا يحاول البعض اسكات الاصوات التي تحلل السلوك بمركباته في جميع الاتجاهات لكن ان يعتبر هؤلاء ذلك التحليل هجوما عليهم فذلك افتئات على الحقيقة و اعطاءا لأنفسهم اكثر مما تستحق. عنوان فكرتي هنا عامي و شعبي و في كثير من الاحيان تعتبر "التهواية" شيء سوقي, و لكن ذلك لا يمنع من ان نصف السلوكيات بما تستحقه. حتى يأخذ الانسان فكرة دقيقة عما يحدث انظر الى (منقل) عليه اسياخ (شقف او كباب) و راقب كيف يتم نفخ الهواء في الفحم حتى يتوقد و يصبح لونه احمر وهاج و عندما تصل درجة الحرارة الى القمة تثبت مع استمرار النفخ و اذا توقف النفخ يبدأ الجمر بخسارة لونه الاحمر الوهاج و درجة الحرارة بالنزول. هكذا هي حالنا منذ مـئـيـن. ينفخون في جمر الظلم و تحديه لكي يشجعوا المظلوم على التحدي الذي يقود الى مزيد من الاكتواء بنار الظلم دون ان يتغير شيء حتى ينضج المظلوم و يؤكل لقمة سائغة دون عقبات لا في الهضم و لا في المضغ. ما هي مشاهدنا التي تبتعد عن هذه المقاربة. حتى تكون في جانب السلامة و عندما تقابل قضية ما. فحتى تدافع عنها يجب ان تكون شخصية بحتة. يجب ان لا تشارك الآخرين و لا تدعهم يشاركوك. فجأة قد تتحول الى قطع شقف او كباب ينفخ الجميع تحتها لكي تنضج الطبخات الخاصة بهم و لكن على جمر قضيتك و رماد ظلمك. لن يبقى منك شيء سوى كلمة "مظلوم" و رماد لن يتكلف احد عناء ذره لأن الرياح ستتكلف بذلك. بعض الكتاب يهول تأثيرات ما حصل في تونس . لا احد يقول ان منسوب الخوف بل الرعب قد ارتفع في العالم العربي و اجراءات الحيطة و الحذر و التحسب قد تكاثرت و تناثرت و توزعت و زرعت و فزعت و ظهر منها اجتهادات جديدة بحيث يراقب و يحلل الانسان افعاله قبل ان توزن و تحلل عليه. ما كان مسموحا البارحة اصبح محرما اليوم و لا يجرؤ على الخوض سوى من راتبه في الخوض. لقد سمعنا اشياء كثيرة و احرقت نار الحماس بعض المتحمسين لكن النتائج كانت مختلفة لأن النافخين في الرماد و الجمر بدأوا الحرائق و انزووا بعيدا في الجحور و وراء الشاشات ينتظرون النتائج التي حصلت في المختبرات و لكن هيهات. ينتظرون الهروب الكبير و لكن لمن و ممن. النتائج التونسية غير مرتبطة بموضوع الحدث بل باحساس المحيطين. لقد قال الجميع كلمتهم الاخيرة للرجل الاخير في المحاسبة و انتهى الوضع الى وضع الظلم. المستنسخون في "الاوطان " الاخرى غير ذلك. استمر المحيط بالتهواية حد الاشتعال و لكن يا للخيبة انحرقت الطبخة و اصبحت غير سائغة و تم التخلي لأن الجميع حملوا ارغفتهم و اصطفوا في الادوار لكي يضع كل واحد قطع لحم في "سندويشته". الساندويتشات التي نراها على الشاشات في طول العالم العربي و عرضه. هل فكروا في سيناريوهات جديدة للهروب ! و لكن كل سيناريوهات الظلم هي نسخ مكررة ! في فرنسا قبل الثورة الفرنسية كانت عربات النبلاء تدوس المارة و تقتلهم, مجرد عملية قتل, خارجة عن كل المعاني و بعيده عن كل قوانين المحاسبة. و لكن هذا لم يكن كافيا لاشتعال ثورة. لا يوجد شيء لم يمر في التاريخ. لا يوجد حطب او وقود او فحم او جمر اذا لا توجد تهوية. قلوبنا باردة و مبوردة لكي لا نقع اضحوكة للتسالي و المتسلين الذين ينتظرون دوامة ينفذون من بؤرتها الى مصالحهم. منذ اكثر من الف عام و نحن ننظر خلفنا , نتأمل عمر و ابا بكر و ابن عبد العزيز و صلاح الدين. و لكن لم ننظر قط نظرة واحدة امامنا. نهوي و ننتظر الهروب. و لكن من سيهرب اولا؟
شعوب تنتظر الهروب
أخبار البلد -