لم يكن هذا البلد خرباً؛ مثل دول أخرى، بل كانت ميزته الأساس، انه كان مثل القمر في عز اكتماله، واليوم يفقد تدريجياً كل مزاياه؛ وهي مزايا لم تأتِ في يوم وليلة، بل نتاج تخطيط وتعب وشقاء الجميع؛ دولة وشعباً.
إذْ تتأمل ماذا حدث لمستوى الثانوية العامة، وآلاف حالات الحرمان، وآلاف حالات الغش، واصرار الأهالي على تغشيش ابنائهم الجهلة، ثم الاعتداء على المعلمين والمدارس؛ تعرف أن الخراب ضرب أخطر قطاع في البلد!.
في مقالة رئيس التحريرالزميل محمد التل، البارحة توصيف دقيق؛ فهذا تعبيرعن فساد المجتمع، وسوء ادارة التعليم؛لأن الفساد نخرالجميع، المواطن كما المسؤول، وكلٌ على مستواه وبطريقته، حتى لانبقى نضحك على ذقون بعضنا،ونتهم المسؤول بالفساد فقط.
اذا ذهبنا الى الجامعات، فإن شقاء الأردن وتعب شعبه على الجامعات، تعبٌ تبدّد بكل بساطة، فالجامعات تقبل اي طلبة اليوم؛ فالمهم هو الدفع، وأي طلبة وهم قادمون من ثانوية عامة منخورة اساساً، ومن مدارس لاتعلّم ولاتربي؟!
الخريجون ضعاف وبلا مستوى اكاديمي، ولا أفق، والجامعات مكان للمشاجرات والقتل والحرق ورمي الحجارة وحمل السكاكين، ونتباهى بعدد الخريجين ولا أحد يحّدثك عن جودة التعليم، ومستوى الخريج.
الأموال التي ينفقها الأب على ابنه لم تعد تساوي شهادته، واثبات قلة تحصيله العلمي والثقافي نراه في همجية الاحتفال بالتخرج؛ اذ ُيصّرالطالب وأهله على اغلاق الشوارع، وليمت من يمت ممن بحاجة الى مستشفى وكان لسوء حظه عالقاً خلف الموكب المبارك، وهو مشهد يثبت ان من تخرج يحمل شهادة في الامّية المنقوعة بالجهل، وفردية انانية لاتشي بالخير أبداً.
هل رأيتم يوماً خريجاً من جامعة عالمية ذات قيمة، يطلق النار، أو يغلق الشوارع، أو يتورط في مشاجرة مع زميله في يوم التخرج؟!.
لماذا يرسل العربي ابنه للدراسة في جامعات؛ يتم فيها اطلاق النار، وسلق الشهادات والعلامات، ويتم اغلاقها مرات،وكم تبقى من سمعتها الايجابية، حتى نفهم الخسارة التي لحقتنا، ولماذا يتعاقد العربي مع اي خريج بعد اليوم امام هذا المشهد؟!.
تذهب الى السياحة، فتكتشف نفس المشاكل، وكل القطاعات «سارحة والرب راعيها» وسياسة «التشليح» في القطاع السياحي معروفة، والسائح يأتي مرة واحدة ولايعود بسبب النهب والاستغلال، والتعامل مع السائح باعتباره صيداً ثميناً.
لدينا من الادلة الكثير، على عدم تكرار السائح لزيارته، فوق خسارتنا لميزة السياحة العائلية، لصالح سياحة النوادي الليلية وتوابعها من شقق فندقية ومناطق تعمل في الرذيلة على مرأى من عيون الجميع، في تبّدل للميزة المحترمة، نحو سوء السمعة.
وكأن هناك رعاية لهذا الابتذال، وقبل يومين طلبت وزارة السياحة من النوادي الليلية صيانة مقراتها خلال شهر رمضان، باعتبارها لاتعمل في هذا الشهر، وهي فرصة للنوادي لصيانة مقراتها، واستراحة المحارب المختص بالرذيلة،مطلوبة، حتى يعود اكثر حيوية!.
القطاع الصحي، كان ميزة، والاردن اشتهر بطبه، والميزة الايجابية تم تدميرها تدريجياً تحت وطأة الطمع والتعامل مع المريض الاردني والعربي باعتباره ذبيحة العيد، واذهبوا واسألوا كل المرضى الذين قدموا للعلاج من اليمن والسودان وغيرهما؛ اذ تمت السمسرة عليهم من سائق التاكسي، وصاحب الشقة المفروشة، وصولا الى المستشفى.
فوضى عارمة في البلد، وُتعبّرعن نفسها في اغلب القطاعات، فتأسف بشدة على تدمير سمعة البلد، ومزاياه الايجابية،لصالح هذا الانفلات، وسط تجاهل رسمي، ولصالح ادارة يومية فاشلة لم تراع ان الخسارة الاكبر تتنزل على سمعة البلد.
لو كان هذا البلد خرباً من بيت اهله لما غضبنا، لكنه كان مكتملا بهياً مثل قمر اخضر، فتركناه يتناقص تدريجياً، حتى وصلنا الى مرحلة يتم وصفنا فيها في احدى المطبوعات الغربية بالبلد الفاشل.
من يتحمل مسؤولية هذا التراجع، والتخريب المتواصل في كل القطاعات؟!والسؤال مفرود للاجابة.
ماهر ابو طير