ساءني في الأسبوعين الأخيرين، التعتيم الإعلامي الذي مورس بتحييد الرأي الأخر لما يجري ، والاحتفاء بكرنفال المطالبة بإسقاط حكومة الرفاعي، عبر السير بما سار به الناس، وظهر فجأة ، وبشعبية ، كبيرة ، ومن حقي أن يكون لي رأي مخالف ومستقل، وللقارئ حق قبول الرأي الذي أقدمه أو رفض هذا، وكثيرا ما قلت أن لسلطة رؤساء التحرير والرأي الشعبي أقسى في الأردن من رقابة الأجهزة الأمنية.
الأصل في مثل هذه الحالات المعقدة أن يكون أكثر من رأي ويكون الإعلام حريصا في كل حرف ينقله إلى الشارع ، ويتجنب لغة التثوير إلى التوجيه الصحيح، فمن نزل إلى الشارع في الجمعة الأولى كانوا من أبناء ذيبان وهم حقا طالبوا بما يعانونه دون أي مصلحة سياسية أو تصفية حساب إنما بلسان كل أردني لا يحصل على وظيفة أو لم تعد وظيفته تكفي لمصروف عشرة أيام، وفي الجمعة الثانية خرج من ناصرهم بالجوع، وأبدع الدكتور فاخر دعاس حينما سحب شبيبة حزب الوحدة بعد أن بدأ البعض يريد إظهار موقف وتلميع شخصي بإلقاء الكلمات، الأردنيون يدركون وضعهم الاقتصادي في كل وجبة طعام وتعبئة مدفأة وليسو بحاجة إلى كلام إنشائي مكرر.
في الجمعة الثالثة بدا التسيس وسلب الموضوع وتوجيهه إلى مصالح شخصية وحزبية واستعراض بطولات سيما بعد أن عرفت الرموز أن هناك ضوء اخضر من الأجهزة الأمنية على ما يحدث فركضوا إلى إظهار أنفسهم بين الجماهير ، وفي شارع متأزم و مليء بالغضب السياسي والتردي الاقتصادي والبطالة ومعبأ لمدة عامين من أن الأردن سوف يصبح وطنا بديلا والغور سوف يحتل من اسرائيل والحكومة تجنس مئات الالاف من الفلسطينيين والعراقيين فمن الطبيعي أن يكون هذا المواطن مهيئا لأي حقن إعلامية جديدة يضخها أصحاب المصالح الخاصة ولا اقصد الأحزاب بقدر شخصيات خسرت مكاسب مالية من حكومة الرفاعي.
فقد رفض الكثير من الزملاء أصحاب المواقع الالكترونية ، نشر أخر مقالاتي ومنهم من شطب، المقال بعد نشره، وحتى لا افهم خطأ فانا لم أنحاز سابقا ولن أفعلها حاليا لحكومة الرفاعي،فما حدث تفاعل من أحداث تونس وانفجار طبيعي لموجة الغلاء غير المقبولة ، ابتعد كالعادة فيما بعد عن الدفاع الحقيقي لجوع الفقراء والانتقال –عبر استغلال الشارع – إلى تصفية حسابات سياسية وإعلامية مع وزير الدولة ايمن الصفدي ورئيس الوزراء سمير الرفاعي .
وما كتبته كان بحث عن واقع مدروس ،ومن نزاهة الاعلام ان اقول ان المعطيات تبدي بقاء حكومة الرفاعي ، وقلت إن إعطاء النواب لثقة خيالية للرفاعي، يتحمله من انتخبهم، ولكن ليس عذرا لتشمهم أو المطالبة بحلهم، وأنا اتفق مع المظاهرات والتي جلبت حلولا اقتصادية ولو بسيطة ، فلولا المظاهرات لما زيد المواطنين عشرين دينارا ولما رأينا ايمن الصفدي بكل هذه الوداعة مع حمزة منصور على شاشة التلفزيون الأردني. ولكن مع كل هذا رحيل حكومة الرفاعي لن يفيد المديونية ، ولن يحل كارثية عجز الموازنة، لذا الحل ليس في الشارع فقط بقدر عقد مؤتمر وطني ليس لإلقاء الخطب بل تقديم حلول إنقاذية يكون فيها الضغط على القطاع الخاص وليس على الحكومة فقط .
الكارثة التي أضحكتني وأغضبتني ظهور الكثير من المعارضين الجدد الذين اشتروا الشقق والرانج روفر من مكتسابات حكومات ما قبل الرفاعي ،ولطالما ساقوا علينا الوطنية وتقربوا لكل المحرضين على الرفاعي ، والذين لطالما دقوا باب مكتب الرفاعي دبي كبيتال ، واليوم خرجوا ليستغلوا جوع الطبقات الفقيرة ويدعوا أنهم مع الفقراء، واراهم أمام المسجد الحسيني ، ولا ألوم المواطن المشغول في لقمة رزقه وهو لا يدري مالذي قلب هذه الأحوال.
نعم كثيرون لم يسالوا يوما عن سعر تنكة البنزين، ولكنهم وقفوا تصفية حسابات في حكومة الرفاعي، وهؤلاء كانوا يمدحون الحكومة في عامها الأول ، بينما كنا نكتب المقال تلوا المقال عن سياسية الرفاعي السياسية قبل الاقتصادية ، وأدافع عن أبناء طبقتي ، ولكني ارفض استغلال أي موقف لتصفية حساب سياسي على حساب طفل جائع أو يرتجف بردا في مدرسته أو بيته، لأن والده لا يملك شراء الكاز.
نعم أنا مع المظاهرات الشعبية المعبرة عن سوء ، الحال ولكني ضد نزول النقابات الى الشارع لتسجيل مواقف فقط، بل نريد أن نرى منها مواقف جادة وفاعلية مثل تخفيض أجرة الأطباء والمحامين والمهندسين مما يدفع المواطن لهم،وحث القطاع الخاص على زيادة الرواتب، وليس خطابات لا تطعم أطفالا ولا توفر دينارا.
وفي هذه الأيام الصعبة ظهرت الفئات الإقليمية لتستغل المتظاهرين لبث كراهيتها، وعنصريتها في الفيس بوك، وفي بيانات تستغل حالات الغضب، لأجد الأمر كله حرف، فانتقل من معركة أسعار وغلاء، وبطالة إلى معركة حقن أحقاد إقليمية وسياسية ، والرفاعي لا يتحمل وحده ما يحدث بل نتاج من سبقه من رؤساء وزراء هم من سببوا المديونية إلى ماهي عليه ونخروا البلد فسادا ، لذا لن يقيدني ما شطب من مقالاتي وسيكون الشطب هذا حافزا لأسس موقعا خاصت لي غير مدونتي التي تصلني مع كل قرائي ، حتى أبقى مع الجائع وليس مع المستغل سياسيا الذي لا يهمه من مصلحة الوطن سوى وظيفة مستشار لا يستشار براتب خيالي بمسمى انه إعلامي، أو عقد من دبي كبيتال ، .
Omar_shaheen78