اﻷردﻧﯿﻮن اﻟﺬﻳﻦ أحادثهم داﺧﻞ اﻟﻮطﻦ أو ﻓﻲ اﻻﻏﺘﺮاب ﻳﺒﺪون ﻗﻠﻘﺎً ﻣﻦُ ﻣﻘﺒِﻼت اﻷﻳﺎم. وھﻢ ﻓﻲ ﺣﯿﺮة، ﺑﻞ وﻓﻲ
ﻣﺰاج ﻗﺎﺗﻢ، ﻟﯿﺲ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺄﺧﺮ اﻟﺨﻄﻮات اﻹﺻﻼﺣﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻠﻮ ﻟﻠﺒﻌﺾ أن ﻳﻘﻮل، وﻟﯿﺲ اﻷﻣﺮ ﻋﺎﺋﺪاً إﻟﻰ ﺑﻂء اﻟﺤﺮﻛﺔ
اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ، وإﻧﻤﺎ إﻟﻰ ﺗﻮﻗﻌﺎت اﻟﺤﺮب ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ.
وﻳﺸﻌﺮ اﻷردﻧﯿﻮن أن اﻟﻨﻮاﻳﺎ ﺻﺎرت ﺗﺘﺠﻪ ﻋﻨﺪ اﻷطﺮاف اﻟﺪوﻟﯿﺔ إﻟﻰ إﺷﻌﺎل ﺣﺮب ﺿﺪ اﻟﻨﻈﺎم ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺔ، وﻳﺨﺸﻮن
أن ﻳﻄﺎل ﺷﺮرھﺎ أو ﻟﮫﯿﺒﮫﺎ اﻷردن.
أﻣﺎ ﻋﻦ اﻷزﻣﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ، ﻓﻘﺪ شهدنا ﺗﺪﻓﻖ اﻟﻼﺟﺌﯿﻦ ﻣﻦ ﻣﻮاطﻨﻲ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺠﺎر واﻟﺸﻘﯿﻖ ﻣﻨﺬ ﺣﻮاﻟﻲ ﻋﺎﻣﯿﻦ. وﻣﺎ
ﻳﺰال ھﺬا اﻟﺘﺪﻓﻖ ﻛﺒﯿﺮاً، وﻳﮫﺪد ﺑﺎﻟﺘﺼﺎﻋﺪ ﻓﻲ وﺗﯿﺮة اﻟﻘﺘﺎل وﺗﺼﺎﻋﺪ ﻓﻲ أﻋﺪاد اﻟﻼﺟﺌﯿﻦ. وﻟﺬﻟﻚ أدت ھﺬه اﻟﺤﺮب
إﻟﻰ إﺣﺪاث اﻟﮫﺠﺮة وﻟﻤﺪة طﻮﻳﻠﺔ. وﻟﻜﻨﮫﺎ ﺣﺮب داﺧﻠﯿﺔ ﺣﺘﻰ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ بالمفهوم اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ واﻟﻤﻜﺎﻧﻲ. أﻣﺎ
بمفهوم اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﯿﺮان فهي ﺣﺮب إﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻜﻠﻤﺔ، وﺣﺮب دوﻟﯿﺔ ﺑﺤﻜﻢ ﻋﺪد اﻟﺪول واﻟﻘﻮى
اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻓﯿﮫﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ أو ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ.
واﻵن اﻟﺨﻮف ھﻮ أن ﺗﺘﺤﻮل ﺳﻮرﻳﺔ إﻟﻰ ھﺪف ﻋﺴﻜﺮي ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻘﻮى اﻟﺪوﻟﯿﺔ، ﻓﺎﻟﺮﺋﯿﺲ أوﺑﺎﻣﺎ ﺻﺮّح ﻓﻲ ﻣﺆﺗﻤﺮ
ﺻﺤﻔﻲ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ اﻷﺑﯿﺾ ﻳﻮم اﻹﺛﻨﯿﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ أن اﺳﺘﺨﺪام اﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﻜﯿﻤﺎوﻳﺔ ھﻮ ﺧﻂ أﺣﻤﺮ. وﻗﺎل إﻧﻪ ﺗﺄﻛﺪ
ﻟﺪﻳﻪ ﺑﺎﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﻘﺎطﻊ أن ﻏﺎز اﻟﺴﺎﻳﺮن اﻟﺴﺎم ﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺔ، وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺰل ﻏﯿﺮ ﻣﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ الجهة اﻟﺘﻲ
اﺳﺘﺨﺪﻣﺘﻪ.
وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺋﯿﺲ اﻷﻣﯿﺮﻛﻲ ﻳﻮاﺟﻪ ﻋﻘﺒﺎت ﻗﺒﻞ ﺗﻘﺮﻳﺮه اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺄي ﻋﻤﻞ ﻋﺴﻜﺮي ﺿﺪ ﺳﻮرﻳﺔ. ومنها ﻣﻮﻗﻒ ﻛﻞ ﻣﻦ
روﺳﯿﺎ، واﻟﺼﯿﻦ، وإﻳﺮان. وﻟﺬﻟﻚ فهو إن ﻧﺠﺎ ﻓﻲ الهجوم إﻻ أﻧﻪ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻣﺎّﺳﺔ إﻟﻰ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ ﺧﺮوج ﺣﺘﻰ ﻻ
ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ لقيها ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن وإﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ اﻟﻌﺮاق.
وﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ، أي اﻟﺮﺋﯿﺲ اﻷﻣﯿﺮﻛﻲ، ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺘﺄﻛﺪ أن اﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﺪﻋﻢ بها اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻦ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ أﻳﺪي
ﻣﻦ وﺻﻔﮫﻢ ﺑﺎﻹرھﺎﺑﯿﯿﻦ. وﻳﺨﺸﻰ-ﻛﻤﺎ ﻳﺨﺸﻰ ﺣﺴﻦ ﻧﺼﺮ ﷲ- ﻣﻦ أن ﻳﺴﯿﻄﺮ ھﺆﻻء ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺔ
وﺗﺼﻞ أﻳﺪﻳﮫﻢ إﻟﻰ أﺳﻠﺤﺔ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ.
أﻣﺎم ھﺬا اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ، ﻳﺜﻮر اﻟﺴﺆال: وﻣﺎ دﺧﻞ اﻷردن إذن ﺑﻜﻞ ھﺬا اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ؟، إﻧﻪ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﻟﺬي ﺳﻤﻌﻨﺎه ﻣﺮاراً
وﺗﻜﺮاراً ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﺠﮫﺎت، وﻟﯿﺲ ﻓﯿﻪ ﺟﺪﻳﺪ.
واﻟﺠﻮاب ھﻮ أن ھﻨﺎﻟﻚ اﺣﺘﻤﺎﻟﯿﺔ، وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺿﻌﯿﻔﺔ، ﺑﺄن ﺗﺘﺪﺧﻞ اﻷطﺮاف اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺄن اﻟﺴﻮري، طﺮف ﻳﺆﻳﺪ
اﻟﻨﻈﺎم، وطﺮف ﻳﺆﻳﺪ اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ، ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﻄﯿﻞ أﻣﺪ اﻟﺤﺮب ﻟﺴﻨﻮات. وھﺬا ﻳﻌﻨﻲ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻣﺘﺪادھﺎ إﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎن وﺗﺮﻛﯿﺎ،
وﺣﺘﻰ اﻷردن. وﻗﺪ ﺗﺘﺪﺧﻞ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع، وﺗﺼﺒﺢ اﻷراﺿﻲ اﻷردﻧﯿﺔ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻣﺤﺘﻤﻼً ﻟﻠﻘﺎء اﻷﻋﺪاء اﻟﻤﺘﻨﺎﺣﺮﻳﻦ.
وھﺬا ﻳﻔﺴﺮ أھﻤﯿﺔ زﻳﺎرة ﺟﻼﻟﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪﷲ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة، وأھﻤﯿﺔ ﺗﺮﻛﯿﺰه ﻋﻠﻰ
اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺣﻞ دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ، وطﻠﺒﻪ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺔ اﻷﻋﺒﺎء اﻟﻜﺒﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻤﻠﮫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ھﺬه اﻟﺤﺮب.
وﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪي ﺷﻚ ان اﻷردن وﻗﯿﺎدﺗﻪ اﻟﻮاﻋﯿﺔ ﻳﺪرﻛﺎن ﻣﺪى ﺗﺤﯿﯿﺪ اﻷردن. وﻟﻜﻦ اﻵﺛﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ﺣﺮب
ﻣﻤﺘﺪة ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺔ ﻟﻦ ﺗﻜﻮن ﻣﺤﺎﻳﺪة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸردن.
اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻣﻨﺎ أن ﻧﻌﺘﺮف ﺑﺄن ﻣﺨﺎوف اﻟﻨﺎس ﻓﻲ مكانها. وﻟﻜﻦ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻮاﻋﻲ واﻹدارة اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﯿﻜﯿﺔ ﻻ ﺗﻘﺒﻼن أن
ﺗﻘﻔﺎ ﺳﺎﻛﻨﺘﯿﻦ ﺣﯿﺎل اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺤﺮﺟﺔ، ﺑﻞ ﺗﺘﺨﺬان ﻣﻨﮫﺎ ﻣﻮﻗﻔﺎً وﺗﺘﺒﻨﯿﺎن ﻟﮫﺎ ﺳﯿﺎﺳﺎت واﻋﯿﺔ.
ﻋﻠﻰ اﻷردﻧﯿﯿﻦ ﺷﻌﺒﺎً وﺣﻜﻮﻣﺔ أن ﻳﻔﮫﻤﻮا أن اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻤﺮ ﺑﮫﺎ ﻗﺪ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺴﺎراً ﺧﻄﺮاً ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻨﺎ اﻟﻮﺣﺪة
واﻟﺘﺂﺧﻲ وﺗﺮاّص اﻟﺼﻔﻮف، ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺗﺒﺎدل اﻟﺘﮫﻢ، واﻟﺨﻨﺎﻗﺎت واﻟﻤﮫﺎﺗﺮات ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت، وﺷﻮارع اﻟﻤﺪن.
أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ وﺿﻊ ﺗﺼﻮر ﺳﯿﺎﺳﻲ اﻗﺘﺼﺎدي اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﻲ ﻟﻤﻮاﺟﮫﺔ اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، واﺟﺘﺮاح
اﻟﺤﻠﻮل ﻻﻣﺘﺼﺎص آﺛﺎرھﺎ.