فجر يوم 23/1/2013، بدأت عملية إعادة تشكيل الفكر السياسي الأردني على قياسات اللامعقول، واللامقبول، واللامأمول، حيث دخلنا في تجربة مريرة اسمها الانتخابات العامّة، التي شهدنا كلنا أنها لم تكن مستكملة لمراحل النضج أو الرضا، ولم ترتق إلى مصاف الحد الأدنى من التعبير عن مقوّمات الدولة الحديثة أو على الأقل الأكثر نموّاً من غيرها.
إلا أن الأمر لم يقف عند ذلك، بل تجاوزنا هذا التدهور حتى بتنا مهددين بفقدان النصاب الشرعي لمعنى النظرية السياسية، أو حتى الممارسة السياسية البسيطة.
وبدأنا بحديث عن تشكيل الكتل النيابية، فوجدنا هناك كمّاً هائلاً من الاستخفاف بعقول الناس الذين تكبدوا مشاق كبيرة؛ أولاً في إقناع أنفسهم بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وثانياً في إنجاز عملية الاقتراع ذاتها.
وبمرور الأيام، رحنا نشاهد مسرحيات لا تتعدى كونها كوميديا سوداء. ففي صباح يوم ما كنا نشهد ميلاد كتلة، وفي ظهر ذلك اليوم تبدأ الانشقاقات والاستقالات وتطير الكتلة، وتتشكل أخرى وتختفي، أبداً وكأنما نحن في صحراء تموج بالكثبان الرملية المتحركة. وهنا نسألaيوم، ولا اثينا في غابر الأيام، فإننا حضرنا تمزقاً هائلاً في معنى المسؤولية والوكالة والإنابة، إذ انفرط العقد، وانفلتت التكتلات، وذهب كل نائب إلى التمسك بفرديّته، وتاه الجميع، فانقلبت الكتل؛ كبيرها وصغيرها، على نفسها رغم ما سمعناه من معلقات علقتها هذه الكتل على أستار البرلمان في الأيام الأولى لبدء العمل. ولكن يبدو أن «الأرَضَة» استطاعت أن تأكل كل هذه الصحف ولم تبق منها إلا «باسمك اللهم».
الكتل النيابية هي البذرة التي أنبتت أكثر التجارب الحزبية رسوخاً في العالم، ونعني بذلك الأحزاب البريطانية التي كانت الأعرق والأقوى. ولكن يبدو أننا قد فهمنا الكتل النيابية على أنها مركب يجلس فيه العضو، وعند أول مرسى يحمل شعار المصلحة الفردية سرعان ما ينزل هذا العضو تاركاً وراءه كل الانتماءات أو التنسيقات أو التنظيمات.
أما الأدهى والأمر، فهو ما يسمى بحكومة الظل التي تداعى لها جل السادة النواب الحاجبين للثقة، حيث قالوا، في أول لقاء لهم، إن هذا التجمع هو مرحلة عابرة للكتل.. وهنا نسأل إن أنتم يا سادتنا الكرام لم تستطيعوا أن تحزموا أمركم على مستوى الكتل، فهل يمكنكم أن تحسموه على مستوى حكومة ظل؟ أَصْدُقكم القول لا أحد منا يأخذ ذلك على محمل الجد، حتى لو أنكم أقسمتم على كتب الله كلها.
إن الأمر ليس هكذا يا سادتنا النواب، وإلا فاتركونا من عبثية تشكيل اللجان وغيرها أو المناداة باسمها... وحتى نَصْدُق مع ذواتنا نقول للناس عظّم الله أجركم في الكتل النيابية وما تلاها، ومن ثمَّ فإننا ننعى إليكم التجربة الحزبيّة، فتوكلوا على الله، وسلموا أمركم له، فهو الوحيد القادر على مساعدتكم وإنقاذكم، واتركوا الإخوة النواب يعالجون الأمور كما يرونها هم، وعلى قياسات الفردية دون الالتفات إلى المعني الجمعي للشعب وللدولة، ودعوهم يشكلون ما حلا لهم من جبهات وتجمعات وحكومات، كلها، لا تتعدى الإعلان الإعلامي، ولا تبتعد عن الرقص في الهواء.