لتو فرغت من قراءة الخبر الذي يتحدث عن بيع الدكتور باسم عوض الله لقصره في دابوق بمبلغ 12000000 دولار (أرجو أن لا أكون غلطت في الأرقام ) وإذ بصديقي الذي طالما صدّع رأسي براتبه المعتبر يدخل مكتبي حاملا ورقة وقلم ويحدث نفسه كمن أصابه مس :
يا لطيف عمره 45 سنة وفي بيعة وحدة 12000000 دولار،وأنا أبو ندهتين مكيف على(الخمس مية دينار).
قلت له وأنا أحاول الوقوف على ما أصابه : خير وراك خبر
عاد من جديد يغرس رأسه في ورقته وقلمه مرة يطاوعه ومرة يعانده، توقف قليلا ورفع رأسه متعجبا: عرفت خبر قصر عوض الله
أجبته : قرأت ذلك .
وعندما لم أعلق على الخبر أبدى امتعاضا ورأيت الشر في عينيه فتداركت هدوئي بتعليق ربما أثاره أكثر من صمتي (المبلغ كبير).
عـاد صديقي يسدد لـي نظراتـه النارية وأتبعها قائلا: هذا المهم عندك وصف المبلغ ، هل تعرف يا أستاذ الحسبة بين إيدي؟
قلت وأنا أشغل نفسي ببعض الأوراق أمامي : شو حسبتك
قال :شو حسبتي ! راتبي الشهري (خمس مية ) دينارا أي يعني بحدود (سبع مية دولار)، وحتى ينزل عني خبر في موقع الكتروني بأن فلان بن علان راسه براس عوض الله شوف نتيجة الحسبة:
700دولار x 12شهر = 8400 دولار في السنة
و حتى أصل لمبلغ 12000000 دولار
12000000 دولار مقسومة على 8400 دولار= 1428 سنة
رفع رأسه وفي وجهه الكثير من الغضب وقال: هل تعلم أنني أحتاج لألف وأربعمائة سنة دون طعام وشراب ولباس ولا فاتورة كهرباء أو ماء أو علاج ودون أن نمارس أي فعل من أفعال الحياة حتى يكون معي مثل هذا المبلغ فهل ستقول لي أنني أبالغ في غضبي على مثل هؤلاء؟!
نظرت لصديقي وأنا أقول في سري مسكين هذا الرجل فمثل هذا المبلغ أصبح من يحوزه لا يعدُّ من الأثرياء فكيف لو سمع بالأرقام الفلكية التي تختبئ في جيوب من يمارس علينا التنظير عن كيفية حب الوطن ؟ لو علم هذا المسكين ورأى الواقع دون تجميل لخرج علينا وهو يحمل أوراقا عديدة ولصاغ لنا الكثير من المعادلات التي تبحث في عمره الذي يجب أن يتناسب مع مثل هذه الأرقام ولعله عمر يحتاج إلى أصفار كثيرة.
عاد صديقي من جديد يسدد لي نظراته الغاضبة وقال: بماذا تفكر يا رجل؟
قلت: يا صديقي نحن الفقراء هذه الأرقام تصيبنا بالشرود فالأصفار العديدة تشكل تحديا قاسيا وها أنت أمامي اشتعلت نار غضبك وكدت تخرج من جلدك.
قال: والحل؟
قلت وأنا أصطنع ضحكة فيها الكثير من الألم: علينا أن نتوضأ ونتحرى ساعة دعاء مجابة ونتضرع للرحمن أن يلهم ملك الموت أن يعقد معنا هدنة لألف أو ألفين أو ... فربما لحق أحدنا بركب أهل الأصفار الكثيرة.
شعرت بتململ صديقي وتبرمه من ردي وقال: يظهر أن بك من اليأس أكثر مني
أنا الذي لجأت إليك لتخفف عني بعض ما أصابني.
قلت: إن فقرنا - يا صديقي – يجعل لساننا مؤدبا لا يقول إلا ما يرضي.
قال : وهل سنبقى ويبقى هؤلاء يصدموننا صباحا مساءا بأصفارهم العديدة.
وبعد لحظات من صمت تخلله أفٍ من هنا وأفٍ من هناك أردف قائلا : شو أخبار الدنيا .
قلت : لقد سافروا للعمل في الخارج ولم تغنِ عنهم أصفارهم شيئا.
قال وبعصبية واضحة : رجعنا للأصفار !!
قلت : نعم هذا هو حين يهربون تهرب منهم الأصفار وستلعنهم الأقدار.
زكريا النوايسة
قصر باسم عوض الله .. ومعادلة صديقي البائس
أخبار البلد -