لا بد أن كثيرا من المواطنين الأردنيين قد شعروا بالارتياح، ليس لحصول الحكومة، بالضرورة، على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، ولكن لانتهاء هذا "الماراثون" الذي بدأ بمشاورات تكليف رئيس للوزراء من قبل الكتل البرلمانية، مروراً بمشاورات الرئيس المكلف لتشكيل حكومته، ثم كلمات النواب تحت القبة قبل التصويت على الثقة.وللمرة الأولى، استغرقت هذه العملية أكثر من شهرين من الحوارات والنقاشات، من أجل الاقتراب من مفهوم الحكومة البرلمانية الذي طرحه الملك.على مدى الشهرين المنصرمين، استطاعت النخبة السياسية، وبخاصة المنتخبة، أن تبعث روح التشاؤم والإحباط لدى الرأي العام الذي لم يعد متيقناً من نتائج كل هذه العملية. لم تكثرت الغالبية لهذه العملية التي كانت فاقدة للأسس المنطقية في كثير من الحالات، ليس لأن الناس لا تكثرت للسياسة، بل لأن الغالبية نظرت لما يحدث على أنه شكل من أشكال الصراع أو التنافس الشخصي أو الجهوي. وحتى عندما تم التطرق إلى المصلحة العامة وقضايا الوطن، كان التعبير عنها في أغلب الأحيان بخطاب يخلو من الكياسة والحكمة السياسية.كانت النخبة مشغولة بهذا، فيما غالبية الناس قلقة على واقعها ومستقبلها الاقتصادي، مع وجود الأعداد الكبيرة من اللاجئين وانعكاسات ذلك الاقتصادية، بالإضافة إلى التداعيات المحتملة للصراع السياسي في سورية على الأردن.الشرط الأساسي للحكومة البرلمانية هو وجود كتل متماسكة سياسياً؛ أي تشترك بتوجهات ومواقف سياسية متشابهة، وتكون قادرة من ثم على بلورة موقف من توجهات الحكومة؛ بالتحالف معها، أو بوضع نفسها ضمن معارضة الحكومة لاختلاف برامجها أو أيديولوجيتها. هذا الشرط لم يتحقق، وبدأت الكتل بالتهاوي "كوحدة متماسكة" منذ بدء المشاروات لاختيار رئيس الوزراء. وجاءت الضربة القاصمة للكتل في التصويت على الثقة، إذ أظهر تفسخها أكثر فأكثر.وبالرغم من انخراط غالبية أعضاء مجلس النواب في كتل مختلفة، إلا إننا شهدنا في مناقشة البرنامج الحكومي مناقشات فردية من أعضاء المجلس. ولا شك في أنه كانت هناك مناقشات ناضجة ورصينة من قبل عدد لا بأس به من النواب، إلا أنه كان هناك، في المقابل، عدد كبير من الكلمات التي لم ترقَ إلى مستوى الحوار/ الخطاب السياسي والأخلاقي المتوقع أن يسود في مجلس الأمة. إن أداء المجلس ومناقشاته وحوارته كافة، يجب أن تكون درساً في الديمقراطية، والمهنية، واحترام القانون، وأسس الحوار وآدابه. وقد اتسم عدد من الكلمات بالشخصنة والعداوة أحياناً، وكيل الاتهامات يميناً وشمالاً؛ فـ"الأنا" كانت متضخمة لدى بعض النواب، والنرجسية عالية. وذلك يُدل على غياب فكرة العمل البرلماني الذي يستند إلى العمل الجماعي، وينطوي دوماً على تنازلات للآخر، وهذا غير ممكن في هذا المجلس.لم يستطع مجلس النواب تكريس أسس مهمة في العمل الديمقراطي، مثل احترام الرأي الآخر، وقبول الآخر، لا بل على العكس؛ أعطى المجلس أمثلة سيئة في قبول الربح والخسارة، وهي أبسط قواعد الديمقراطية.لقد أسدل النواب الستار على "ماراثون" الثقة من خلال مشاجرة تحت القبة اعتراضاً على نتائج التصويت، والتي يعد احترامها من أبسط الأسس الديمقراطية.إن ما شاهدناه واستمعنا إليه يؤشر إلى الحاجة إلى إعادة النظر في النظام الداخلي لمجلس النواب، وبخاصة من خلال وضع قواعد وأسس أخلاقية لتعامل النواب مع بعضهم بعضاً، ومع الحكومة أيضاً.
"ماراثون" تشكيل الحكومة والثقة
أخبار البلد -