تجاوزت التطورات الإقليمية، مناقشات الثقة النيابية بحكومة عبدالله النسور؛ ربما يساعده ذلك على المرور من العتبة البرلمانية، لكن السؤال المطروح هو ما إذا كانت الحكومة تستطيع التعامل مع المستجدات العاصفة على المستوى الإقليمي والدولي، أم أننا بحاجة اليوم إلى حكومة وحدة وطنية لمجابهة الضغوط والاستحقاقات؟ وفقا لمصادري السورية، فإن حجم التدخلات الأردنية في سورية، ما يزال في حدود يمكن تلافي نتائجها في العلاقة بين البلدين، كما أن ما ورد حول تلك التدخلات، في خطاب الرئيس بشار الأسد، يشكّل تنبيها لعمّان من التغذية الإرهابية الراجعة، ولا يتضمن أي تهديد للأردن. التهديد الحقيقي يأتي من إصرار البعض في دوائر القرار على الزج ببلدنا في حرب ليست حربنا، وتتجاوز قدراتنا، وتمس بأمننا الوطني. في سورية الآن 300 فصيل مسلح متنافرة متضادة أقواها على الأرض تنظيم جبهة النصرة المرتبط بالقاعدة؛ فهل علينا أن نساعد في جعلها 301 لكي يكون لنا دور في سورية؟ إن أي دعم من أي نوع للجماعات المسلحة السورية سوف يصب في المزيد من الفوضى التي سترتد على دول الجوار في وقت لاحق، حين لا ينفع الندم. في الإدارة الأميركية، هناك انشقاق جلي بين وزارة الخارجية التي تعتقد بأنه يمكن توحيد المعارضة السورية والعمل على إضعاف نظام الرئيس الأسد، وبين وزارة الدفاع التي تملك معطيات معاكسة، وتضغط للنأي بالولايات المتحدة عن "حرب مكلفة وطويلة وملتبسة". وهذا يعني أن عمان ما تزال تستطيع ليس فقط أن تناور، بل والدخول على الخط لدفع البيت الأبيض نحو خيار التسريع بالحل السياسي في سورية. وهناك فرصة تتمثل في الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، للعمل في هذا الاتجاه. الضغوط الأميركية، إذاً، متشققة، وتسمح لنا بالمناورة، أما الضغوط الإقليمية، فيمكننا تجاوزها بالتقشف وبإجراءات اقتصادية اجتماعية، لا تجعلنا أسرى الحاجة إلى المساعدات المالية. وحين يتجه القرار السياسي إلى الحسم للحفاظ على مصالحنا الوطنية الاستراتيجية وكرامتنا الوطنية، فإن غالبية شعبنا سوف تتحمل الصعوبات الناجمة عن هكذا موقف، بل وسيؤدي ذلك إلى نهوض في الوطنية الأردنية، واستعادة الاجماع الوطني. لا توجد مشكلة في الضغوط. مشكلتنا هي مع القوى المحلية التي تسعى ـ لتحقيق أهداف خبيثة، وللحفاظ على امتيازاتها الطبقية ـ نحو توريط الأردن، وتحضيره لفوضى التجنيس والتوطين والكونفدرالية. ولا ينتبه العديد من الأردنيين المخلصين من أصحاب الرؤوس الحامية إلى هذا الفخ، بل تأخذهم العزة بالإثم. الموقف السوري نحو الأردن ما يزال وديا، ومفاده أننا، سورية والأردن، في مركب واحد. وهذا تقويم صحيح مائة بالمائة؛ فخطر الفوضى والإرهاب، يتهددنا معا، والجيش العربي السوري يقاتل، في الواقع، دفاعا عن عمان، كما يقاتل دفاعا عن دمشق. وهو القوة الوحيدة القادرة على هزيمة الإرهابيين والظلاميين ومشروع " القاعدة" الإقليمي. ولذا، فإن ما يتوجب علينا فعله هو تقديم الدعم لهذا الجيش، أو، أقلّه، النأي بالنفس عن إيذائه أو عرقلة عملياته. الجيش العربي السوري هو القوة الوحيدة المتماسكة في سورية. وهو الوحيد القادر، تاليا، على إعادة بناء الدولة الوطنية السورية الموحدة والمدنية. ولحسن الحظ، فإن الضباط والجنود السوريين يحققون اليوم انجازات عميقة ومتسارعة في القضاء على أوكار الإرهاب. يحظى السوريون بدعم غير محدود، سياسي و اقتصادي وتسليحي، من قبل القوة العالمية الصاعدة، أي الاتحاد الروسي، كما يحظى بدعم العراق وإيران وحزب الله. وكل هذه القوى قررت أن نظام الرئيس الأسد هو خط أحمر. وهو خط سيضطر الجميع، في النهاية، للوقوف عنده، والتعايش معه. وبالنسبة للأردن، فإن سياستنا العقلانية، خلال سنتين من عمر الأزمة في سورية، منحتنا رصيدا لا أعرف لمصلحة مَن يجري تبديده؟ |
||
يمكننا ألا نتورّط
أخبار البلد -