مرة ثانية وعاشرة، علينا الاعتراف، أن جميع الخطط والاستراتيجيات، وكل المحاولات، التي برزت خلال السنوات الماضية، للوصول إلى تعامل نموذجي، مع الشباب، قد فشلت فشلاً ذريعا، وما يحدث هذه الأيام من عنف يرتقي إلى مستوى الجريمة في جامعاتنا، مؤشر قوي على ذلك.
لقد نبهنا منذ زمن، الى ان جامعاتنا، تحوَّلت إلى نقاط، تُصدِّر العنف للمجتمع، بدل أن تكون مؤسسات، لتصدير العلم والقيادات، على المستوى الفكري والسياسي والثقافي، كما كانت، والحديث عن العنف، الذي يعصف بجامعاتنا، منذ سنوات، ليست الجامعات وحدها مسؤولة عنه، فربما تكون هذه الجامعات، إحدى ضحايا الفوضى، التي ضربت تركيبة مجتمعنا، نتيجة خلط المفاهيم، الذي أدى، إلى تراجع سلطة القانون وهيبته، في نفوس الناس، وبالتالي، عودة هؤلاء، إلى الأطر القديمة، مثل الاستقواء بالعشيرة وغيره، وهنا، لا بد من الانصاف، مرة أخرى، بالقول أنه حتى مفهوم العشيرة المؤسسة، التي ضبطت إيقاع المجتمع الأردني، لعقود طويلة، طاله التشويه، سواء بقصد، أو بدون قصد.
لقد نبهنا منذ زمن، الى ان جامعاتنا، تحوَّلت إلى نقاط، تُصدِّر العنف للمجتمع، بدل أن تكون مؤسسات، لتصدير العلم والقيادات، على المستوى الفكري والسياسي والثقافي، كما كانت، والحديث عن العنف، الذي يعصف بجامعاتنا، منذ سنوات، ليست الجامعات وحدها مسؤولة عنه، فربما تكون هذه الجامعات، إحدى ضحايا الفوضى، التي ضربت تركيبة مجتمعنا، نتيجة خلط المفاهيم، الذي أدى، إلى تراجع سلطة القانون وهيبته، في نفوس الناس، وبالتالي، عودة هؤلاء، إلى الأطر القديمة، مثل الاستقواء بالعشيرة وغيره، وهنا، لا بد من الانصاف، مرة أخرى، بالقول أنه حتى مفهوم العشيرة المؤسسة، التي ضبطت إيقاع المجتمع الأردني، لعقود طويلة، طاله التشويه، سواء بقصد، أو بدون قصد.
مسؤولية الأوضاع المجتمعية المتردية، التي وصلنا إليها، مشتركة بين الجميع، وتبدأ من الحلقة الأساس، في بناء المجتمع، وهي البيت، الذي يجب أن يكون، القاعدة الاولى للفرد، بتلقي الدرس الأول، في التعامل مع الغير، من ناحية الحقوق والواجبات، من أدنى درجات سلّم المسؤوليات، إلى أعلاها، من حيث احترام حقوق الآخرين، إلى أعلى درجات هذه المسؤولية، وهي احترام الواجبات الوطنية بتفاصيلها، بدءا من احترام آداب الطريق، وصولاً إلى احترام هيبة القانون والدولة، ثم الحلقة الثانية، وهي المدرسة، وهنا، لا بد من الاشارة، الى المناهج الدراسية، وإعادة النظر بها، حيث العمل على ترسيخ مفاهيم جديدة، في ذهن التلميذ، ودفعه إلى التفكير السليم، بعقل مفتوح وانتماء واسع للمجتمع والوطن والأمة، بعيداً عن الانتماءات الضيقة، مثل العشيرة والحي والقرية والمدينة، وإن كنا مصرين، على أن مفهوم العشيرة، تعرض لظلم كبير وتشويه أكبر، خلال العقد الماضي، نتيجة كثير من الممارسات، التي أدت إلى ما نحن عليه، من تقزيم مفهوم العشيرة، من مؤسسة اجتماعية واقتصادية جامعة، إلى مفهوم «أُنصر أخاك ظالماً أو مظلوما» بالطريقة الخاطئة.
إن تفريغ الجامعات من العمل العام، وفي مقدمته العمل السياسي الطلابي، كان خطأ كبيرا، إذ لم يعد يجد الطالب، ما يملأ به فراغه، غير الجلوس في الساحات العامة للجامعات، أو المطاعم والمقاهي، حول هذه الجامعات، وتكوين الشِّلل، على أسس عصبية مشحونة ببعض جوانب الإعلام المشوه، المتمثلة بما يسمى «الأغنية الوطنية» ظلماً، والتي تحاكي الجانب العصبي في الشاب، وتحرضه على إبراز قدراته بطريقة مشوهة، بعيدا عن التفكير السليم، كذلك هبوط مستوى التعليم الجامعي، وإغراقه بالتلقين، خصوصاً الكليات الإنسانية، الأمر الذي لم يعد الطالب الجامعي، يشعر بأن وضعه اختلف كثيرا، في الجامعة عن المدرسة.
والخطأ الآخر، الذي اشرنا اليه سابقا وقع، في توزيع طلاب الجامعات، إذ أصبح ابن اربد، يدرس في جامعات اربد، وكذلك ابن السلط، يدرس في السلط، وابن الكرك، يدرس في الكرك.. وهكذا، الامر الذي ألغى فكرة تفاعل أبناء الوطن، مع بعضهم، وبالتالي، تحوَّلت الجامعات، الى مدارس كبرى.
في الماضي، كان طالب الكرك، يدرس في اربد، وطالب اربد، يدرس في الكرك، أو في عمان، وابن السلط يذهب الى اربد.. وهكذا، الأمر الذي كان يساعد الطالب، على توسيع مدارك تفكيره، من خلال اختلاطه بأنماط تفكيرية جديدة، تساعد على توسيع مداركه الثقافية.
لقد تراجع التعليم العالي لدينا، نتيجة ظروف كثيرة ومتعددة، وأحياناً عبثية، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، من حالة كارثية مزرية، إذ أصبحنا من الطبيعي جداً، أن نجد خريجاً جامعيا، شبه أُمِّي، لا يجيد القراءة والكتابة، بالوجه الصحيح، ولا يعرف حتى، الحدود الجغرافية لبلاده.
لقد تعددت أسباب العنف، الذي يضرب في مجتمعنا وتنوعت، والنتيجة واحدة وهي الفوضى، ولعل الأهم والأبرز، من بين هذه الأسباب، هو الاستخفاف في القانون، وهيبة المؤسسات الرسمية، وتقديم أخذ الخواطر، على تطبيق القانون، وزيادة نسبة التسامح الرسمي، الذي فسَّره البعض، ضعفاً وخوفا.
ان السياسات المتخبطة والعشوائية، استطاعت أن تحوّل جامعاتنا إلى بؤر عنف، بدل أن تكون مناراتٍ لتصدير العلم، ورفد المجتمع بالقيادات السياسية والمجتمعية، ولكن -للأسف- فشل المؤسسات الاجتماعية؛ سواء الأسرة او المدرسة وكل المؤسسات المعنية في بناء الطالب، قبل دخوله الجامعة، أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، واصبح مفهوم الكرامة الإنسانية عند النشء، مشوهاً وخاطئا، والشباب تحت تأثير مفاهيم مغلوطة، في الدفاع عن كرامته وعن شخصيته، وقد تحول إلى قنبلة موقوتة، تنفجر لأتفه الأسباب، وتعيث بالمجتمع عنفاً وتدميرا، إذ باتت الكرامة، يُثأر لها عند الطالب، من أجل خلاف على جهاز خلوي، مع أحد زملائه، أو بسبب التنازع على الجلوس على مقعد، في حديقة الجامعة، أو في إحدى قاعات الدراسة، أو النزاع على صداقة إحدى الطالبات، وكثير من هذه القضايا السخيفة، التي تجرّ خلفها صدامات، تمتد إلى خارج أسوار الجامعات، أو تستنهض الهمم، لاقتحام الحرم الجامعي، ليعاث به تدميراً وتخريبا، والتي تلقي بظلالها البشعة، على وجه مسيرة التعليم العالي، في الأردن، وعلى مساحة سمعة الاردن بالكامل.
ان مواجهة آفة العنف، لن تتم إلا بإعلان كافة مؤسسات المجتمع -العامة والخاصة- النفير العام، للوقوف بوجه هذه الآفة، التي باتت تعصف بمجتمعنا وشبابنا، وحتى ننجح في هذه المواجهة، فإنّ علينا العمل على مسارين متلازمين: الأول وهو الحل الفوري والسريع، ويأتي ذلك من خلال تفعيل القوانين بحزم، على كل من يمارس العنف، سواء من ناحية اللفظ، أو السلوك في المجتمع، وبالذات في الجامعات، وعدم الأخذ بمبدأ العفو عن أي أحد، تُسوِّل له نفسه، الخروج عن القانون العام، أو اعتماد مبدأ العنف بدل الحوار. بالإضافة إلى التسريع في إنفاذ العقوبات، وعدم الخضوع لأي نوع من الواسطات، والتشهير الاجتماعي، بكل من يمارس هذه الجريمة، بحق المجتمع والوطن، وحرمانه من حقوقه حتى المدنية، ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه، ممارسة هذا التشويه الذي يؤذي الجميع.
أمّا على المسار الثاني وهو الأهم، فيجب العمل على إعادة النظر، في المناهج التربوية، وتكريس مبدأ التعاون والحوار، من خلال هذه المناهج، وقيام المعلم بدوره الفعَّال والمطلوب، في هذا المجال، وقبل ذلك، الأسرة التي تقع على عاتقها المهمة الأصعب والأساس، في تنشئة الفرد النشأة السّوية، في بناء الشخصية السليمة، الخالية من كل سمات العنف لفظاً وسلوكا، ثم يأتي دور الجامعة، التي -كما قلنا سابقا- أنه يجب عليها ألاّ تعتمد في عمليات القبول، فقط على التحصيل الأكاديمي والعلمي للطالب، فما المانع أن يكون للطالب، سجل شامل، منذ دخوله المدرسة، حتى لحظة تقديمه طلب الدخول للجامعة؟ حيث يحتوي هذا السجل، على معلومات، تُسلِّط الضوء، على شخصية الطالب، وليس فقط، تلك السجلات، التي لا تحتوي، إلا على الوثائق الرسمية، التي لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر، مثل كشوفات العلامات وشهادات الميلاد، وغير ذلك، وهي وثائق، لا تشير إلى شخصية الطالب وسلوكه، من قريب أو بعيد.
عندما يشعر الطالب، أنه تحت الملاحظة، من ساعة دخوله المدرسة، إلى لحظة تقديمه طلب الجامعة، وأنّ مسيرته التعليمية، وسلوكه في المجتمع، مرصودان، ويلعبان دوراً رئيسا، في قبوله في الجامعة، فلا بدَّ أنه سيلتزم بالسلوك الاجتماعي المطلوب، بكل مراحل حياته.
إنّ آفة العنف المجتمعي، وبالذات الجامعي، بدأت تؤثر على الوجه العام، لمستوى التعليم العالي لدينا، بعدما كنا نُفاخِر، بالمستوى الذي وصلنا إليه، في هذا المجال.
العنف المجتمعي، وعلى رأسه عنف الجامعات، حلقات متواصلة لا بدّ من العمل على تفكيكها، من خلال إعادة النظر بالمسيرة التربوية والتعليمية، من خلال المناهج وإحياء القيم النبيلة، في نفس الفرد، منذ نشأته، وتفعيل جميع مؤسسات المجتمع، للقيام بدورها الوطني المطلوب، في هذا المجال، إننا إنْ لم نتتبه، إلى خطورة الوضع في الجامعات، وتفعيل القانون، وإعادة النظر في مفهوم الأمن الجامعي، فستتفاقم الأمور أكثر، ويصبح الحل عصياً وسيندم الجميع.
إنَّ المتمعن في الإطار العام، لصورة ما يحدث في جامعاتنا، يلحّ عليه سؤال كبير: مَن المجرم المسؤول عن هذا الخراب، الذي يعصف بجامعاتنا، وعقول أبنائنا؟! ليتحولوا إلى قنابل موقوتة سريعة الانفجار، فيكتشف أن المجتمع -بكل مؤسساته- هو المسؤول الأول، عن هذا الوضع، حيث تُرِك أبناؤنا ينتقلون، من مرحلة عمرية ودراسية، إلى مرحلة أخرى، منذ ما يزيد على عقدين، دون أي مراجعة أو مراقبة أو محاولة تعديل سلوك، حيث وصلوا إلى ما وصلوا إليه، من تشوُّه في التفكير والسلوك.