"يتقدمون خطوتين ويتراجعون خطوة، هم سبب عدم قيامي بالإصلاح، وقد تآمروا مع المحافظين لتعطيل جهودي في زيادة تمثيل اﻷردنيين من أصل فلسطيني"، تلك الكلمات كانت حديث الشارع بشكل مبطن قبل أن تظهر على العلن في أول مواجهة بين الحراك وقوات الأمن على دوار الداخلية خلال عامي الاحتجاجات، بعد مطالبة بإقالة مدير المخابرات، وكف يدها عن الحياة العامة.
الآن هي كلمات الملك عبدالله الثاني في لقاء هو الأول من نوعه من حيث المضمون مع مجلة أتلانتيك الامريكية أجراها الصحفي المخضرم جيفري جولدبرغ وسيتم نشرها لاحقا، مع التنبيه على أن وسائل إعلام تجاهلت بثها وستحرص وكالة الأنباء الأردنية على توضيبها ونشر جزء منها أو عدم نشرها كاملة.
مصدر مطلع في الديوان الملكي قال أمس إن "المقال احتوى العديد من المغالطات، حيث تم إخراج الأمور من سياقها الصحيح. واحتوى تحليلات عكست وجهة نظر الكاتب، ومعلومات نسبها إلى الملك بشكل غير دقيق وغير أمين"، في المقابل أهل البلد يتمنون أن يعرفوا تفاصيل اللقاء ورؤية الملك الإصلاحية الشاملة كما أوضح المصدر.
على الأقل الديوان لم ينف اللقاء بالمطلق، وجزء منه كان واقعيا، مع التذكير أن الملك شكا أكثر من مرة من قوى شد عكسي، كانوا رؤساء حكومات ومسؤولين في الدولة، تخلوا عنها بعد أن حققوا مكاسب، وشكا من عدم الالتزام بتعليماته في وقت سابق خصوصا بما يتعلق بموضوع سحب الجنسيات.
لكن السؤال لماذا تنشر المقالة الآن وبهذا التفصيل؟، وبخاصة أن اللقاء تضمن صراحة تامة من الملك، وكان أشبه بخطاب إلى عامة الناس قبل النخبة وأهل السياسة، وهو المطلوب في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد وتتجاهلها شريحة من الناس تمترست خلف مناصب قيادية، أو تقاعدت وما تزال تمارس السلطة في الخفاء.
ما تحدث به الملك كان واقع حال، وتجاوز السقوف التي ارتفعت أخيرا في الاحتجاجات الأخيرة، وإن لم يكن تحدث بذلك فسيبقى ما قاله أو لم يقله واقعا لا يمكن تجاهله، في إشارة لا يمكن صياغتها إلا على شكل سؤال: إن كان الملك سينقلب على النظام، بمعنى أنه فعليا سيغير من الوضع القائم الذي لم يعد سرا بعد الربيع العربي؟.
ما قاله الملك كثير، وإن كنا نتمنى أن يصل للقراء بتفاصيله ولا تمارس عليه الرقابة المسبقة، مثلما حدث مع كتاب الملك الذي منعته دائرة المطبوعات والنشر من دخوله البلاد وحجزته في المطار.
ما يهم أن ما شكا منه الملك وفي جزئية من اللقاء قريب جدا من مطالبات قوى الإصلاح أكانت شعبية أم سياسية، لكن كما عبر الملك هنالك من يعيق ذلك، إذا ما الحل؟ سؤال برسم الإجابة والرد عليه سهل بالعودة إلى المربع الأول؛ لتكون العلاقة بين رأس الدولة والشعب مباشرة بدون وسطاء، وذلك يمكن تطبيقه في حال كان الشعب مصدر السلطات يستدعي قوانين تأخذ على وجه السرعة، مثل تعديلات دستورية إضافية، وقانون انتخاب يوسع المشاركة لا يحول المجلس لدوائر جزئية عشائرية.
في كل الأحوال يبدو أن الوضع الداخلي مأزوم لدرجة الانفجار في أي لحظة، وإلا لما كشف الملك كل تلك البينات والحقائق لدرجة الحديث عن يومياته، مع العلم أن للصحفي المذكور مقابلة سابقة بعد تولي الملك سلطاته الدستورية بقليل وكانت تعبر عن توجهات لم يتم الأخذ بها، أو تم تعطيلها، وهو ما يكرره الملك اليوم بعد 14 عاما.