ربما لا يؤمن الكثيرون بنظرية التطور والانتخاب الطبيعي التي تحكم تاريخ نشوء الحياة وتطور الكائنات والأنظمة البيئية على كوكب الأرض، ولكن المبادئ الاساسية لهذه النظرية موجودة بشكل مؤثر في الكثير من نواحي الحياة وحتى في الإدارة السياسية. في الاشهر الماضية ظهرت في الأدبيات السياسية في الأردن نظرية أن البلاد لن تمر في مرحلة ثورة Revolution من أجل تحقيق الإصلاح السياسي المنشود ولكنها ستمر في مرحلة تطور Evolution .
ولكن التطور ليس عشوائيا ولا يمكن أن يساهم في إنتاج تحسين في التركيب الوراثي والقدرة التكيفية للكائنات مع المتغيرات الطبيعية بدون تغيرات مدروسة على مدار من الزمن يسمح بانتقاء الصفات الأكثر قدرة على التنافس، واسوأ ما يمكن أن يواجه التطور الطبيعي هي الصدمات الخارجية التي تتسبب في فوضى وفي تغيير كامل للمسار قد يعيد الأمور إلى الخلف أو يحكم بالنهاية على فصيل معين من الكائنات غير القادرة على التكيف مثل إنسان النياندرثال.
المسار السليم للتطور السياسي في سياق تشكيل الحكومات يفترض التحول من منح رئيس الحكومة صلاحيات مطلقة في اختيار الوزراء إلى مرحلة التفاوض مع أحزاب وكتل نيابية قليلة ومؤثرة على نوعية البرامج الحكومية واسماء الوزراء ومواقعهم التي تتناسب مع تخصصاتهم، وهذا ما يحدث في كافة الأنظمة الديمقراطية سواء الجمهورية الحزبية أو الملكية الدستورية. في حالتنا الفريدة تم الانتقال من الصلاحيات المطلقة بدون تشاور إلى التشاور مع 150 نائب يفترض نظريا أنهم منضمون إلى كتل برلمانية ولكن في واقع الأمر كل واحد منهم فرد مستقل بذاته له آراؤه الخاصة ومصالحه ورغبات دائرته الانتخابية والتي كلها ستصبح مدخلات في معادلة تشكيل الحكومة الجديدة.
عملية إرضاء كل هؤلاء النواب مستحيلة، وأقصى ما يمكن للرئيس المكلف أن يحققه هو تكوين تشكيلة من الوزراء تمنحه ثقة 90 نائبا على الأقل يمكن أن يمارس من خلالها دوره كرئيس حكومة مفوض من قبل مجلس النواب. هذه ليست العملية المثالية التي يمكن أن تحقق تقدما نحو الإصلاح السياسي والمشاركة الايجابية في تشكيل الحكومات ولكنها المرحلة التي فرضها قانون الانتخاب. في هذا السياق لا بد من التذكير مجددا أن السبب الجوهري وراء معظم النقائص والحواجز أمام الإصلاح السياسي وبخاصة العمل النيابي في الأردن هو قانون الانتخاب الذي لا يمنح الفرصة للأحزاب والمؤسسات السياسية بأن تلعب الدور الرئيسي بل تمنح ذلك الدور للافراد المتميزين بالنفوذ المالي أو العشائري، وعلى الأغلب الاثنين معا.
الحركة التي نشهدها حاليا لا تصنع إصلاحا سياسيا وإذا كنا مقتنعين بأن المسار الصحيح هو التطور لحماية البلاد من مشاكل الثورات فإنه من الضروري العودة إلى مسار التطور الصحيح بتقوية الأحزاب والمؤسسات السياسية والقوانين التي تسمح لها بزيادة التأثير في الحياة السياسية وأن نتأكد بأن سرعة التطور السياسي تتجاوز سرعة التطور الطبيعي التي تحتاج إلى آلاف السنين حيث أننا لا نملك الكثير من رفاهية الانتظار!