بعد تكليفه بالبقاء في الدوار الرابع أدرك الدكتور عبد الله النسور حدود الملعب المسموح له اللعب به، سواء من جهة توزير النواب أو تسمية وزراء لحقائب بعينها.
المطبخ الذي يهندس المشهد قرر سابقا أنّ توزير النواب أمر غير مطروح، وذلك لاعتبارات كثيرة، أهمّها أنّ الصيغة الإصلاحية الناقصة قد تنفجر بسبب خطوة كهذه.
من هنا يجب على المنفذ (رئيس الوزراء) أن يقوم بالمناسب تجاه ذلك، وقد لاحظنا أنّ الخبير النسور في مشاوراته مع الكتل هلل ورحّب بتوزير النواب، لكنه أقنعهم أنّ اللحظة هذه غير مناسبة وعليكم بالانتظار.
النسور استخدم مقدمات ومبررات تبدو منطقية للتملص من توزير النواب، فهو يقول أنّ «توزير النائب أصل لا استثناء»، ولكنه خائف على انفجار الكتل من نهم إقبال النواب على الحقائب.
رغم ذلك سيظهر التوزير بطريقة مختلفة، فالاعتبارات الجغرافية والعشائرية وحصة مراكز القوى كلها ستكون بمثابة الاسم الحركي لمفهوم الوزير.
لكن هناك أحاديث متداولة أنّه قد يؤخذ بعين الاعتبار إرضاء كتل متماسكة (حزب الوسط) من خلال تكليف أحد أعضائها خارج البرلمان بحقيبة ما، وذلك لغايات ضمان الثقة مع محاذير أنّ خطوة كهذه قد تثير حنق كتل أخرى.
الرئيس في مشاوراته كان واضحا أنّ هناك أسماء ستبقى ولا يمكن الاستغناء عنها (ناصر جودة – جعفر حسان)، والرئيس يبرر الأمر أنّهما من المقطوع وصفهما ولا مجال للبلد إلاّ بهما.
المشكلة أنّ الكتل تطأطئ رأسها لهذه الحجة غير مدركين أنّ الوزيرين في فترة تولّيهما تلك الحقيبتين (التخطيط والخارجية) كان الفشل متبديا تخطيطا وهيبة.
الرئيس في خطابه أثناء المشاورات لا زال يستخدم اللغة العاطفية العميقة ويمزج مع ذلك لغة سياسية فضفاضة ترضي الجميع دون تحديد، فالعام لا خاص له والمطلق لا قيد فيه، وهذا ذكاء في التحييد قلَّ نظيره.
المشكلة أنّ الكتل بعد المشاورات تخرج لتقول أنّ ما جرى كان شفافا ومفتوحا وحين نسأل عن تفصيلات تراهم يتوهون بالعموميات، كأن سحرا وقع على رؤوسهم أو قل هي الخبرة المتواضعة للكتل أمام النسور الداهية.
ما يجري غير متكافئ، ونحن لا زلنا ندفع ثمن مخرجات الصوت الواحد، والمؤلم أنّ الأخطاء تأخذ شرعيتها من ممثلي الناس، فإلى متى وإلى أين؟