في مادة الاجتماعيات لأحد أبنائي في الصف الاول الابتدائي، هنالك درس يُدرّس للطلبة بعنوان (الانجازات الانسانية لجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم تجاه الاطفال) ذُكر منها، معونة الشتاء للطلبة في المدارس الاساسية، وذُكر أيضا مساعدة الاسر الفقيرة ، وذُكر شيء عن مؤسسة دار البر لرعاية الايتام، وظهر في أعلى الصفحة صورة للملك وهو يقوم بتوزيع معاطف الشتاء في احدى مدارس المملكة على أحد الاطفال، ويقوم بمساعدة أحد الاطفال على ارتداء المعطف.
من المعيب أن تبدأ التربية لدينا في المدارس بهذه الطريقة التي تُكرس بأن الحق الطبيعي أصبح مكرمة أو منّة، يتم التكرم على الاطفال بها! ومن المعيب أيضا أن يتم تنشئة الاطفال بهذه العقلية وبهذه النفسية التي تنتظر الاحسان ومد يد العون لهم، ولا يتم توضيح الحقوق الاساسية لهم، ويتم الاشارة بهذه الطريقة المُحزنة لطبيعة التعامل مع المواطنين، وكأن المطلوب تثبيت هذا النهج الذي يُكرس التخلف والجهل والتبعية، ويجعل من طلابنا يتسائلون دائما عن طبيعة مستقبلهم الذي سيعيشون فيه، وأنا أجزم أن العقلية التي تُفكر بوضع المناهج بهذه الطريقة عقلية تُسيء للملك ولا تُحسنُ اليه، وتُسيء الى منظومة القيم التي يجب أن ينشأ عليها الانسان والمواطن ليصبح كريما شريفا عزيزا، فكيف نجعل الطفل في الصف الاول الابتدائي يتخيل بأنه يجب على الملك أن يتدخل ليقوم بتوزيع معاطف على الطلبة الفقراء؟ ولماذا لا يوجد منظومة حماية لكل مواطن دون الرجوع لمرجعية الملك الذي أراد بعض المتخلفين الذين يدّعون حُسن التخطيط، جعل صورة الملك وقوّته خلف كل خير يأتي الينا، وهي صورة مغلوطة ومُخزية في هذا العصر الذي طلّق فيه العالم العربي التخلف والرجعية والتبعية والتسبيح بحمد القادة والملوك، ولو استمعتم الى الاذاعات المحلية حيث يتصل بعضهم صباحا ببعض مقدمي البرامج الصباحية قائلا إن الوحيد الذي يستطيع أن يحل مشكلتي هو جلالة الملك! وتكون غالبا مشكلة بسيطة تافهة لا قيمة لها، وعندما تساءلتُ لماذا نُفكر دائما بهذه الطريقة وجدتُ السبب في مناهجنا وتربيتنا المتخلفة عن سوء نية وقصد.
في المقابل اتصلتْ معي شقيقتي التي تقيم في امريكا قبل فترة، وقُبيل انتخاب الرئيس اوباما بأيام معدودة أخبرتني ان ابنها في الصف الاول الابتدائي قام اليوم بانتخاب الرئيس الامريكي في المدرسة! حيث تم التواصل مع طلبة الصف الاول الابتدائي وتم منحهم بطاقات انتخابية داخل المدرسة وتم تخييرهم بين الشخصين المُرشحين للرئاسة هناك، ويقوم الطالب بشكل (سري) وبدون تدخل أي شخص أو مُعلم أو أحد الوالدين بانتخاب الرئيس الذي يرغب، ثم يتم فرز الننائج وإعلانها في المدرسة ثم يتم جمع جميع النتائج وتقديمها لمراكز الدراسات التي تقرأ المزاج العام للناس هناك، والمفاجأة المُلفتة للنظر أن نتائج انتخابات الرئيس عند طلاب الصف الاول الابتدائي كانت قريبة بنسبة (92%) من النتائج الحقيقية بعد فوز الرئيس، حيث تبين أن مزاج الابناء هو انعكاس طبيعي لمزاج الاباء في البيوت، وهي من الطرق التي يتم بها رصد واستطلاع نتائج الانتخابات في العالم المتقدم، انظروا معي الى قيمة احترام العقل والانسان في تلك المناهج وقارنوها بالذي يحصل عندنا.
في حاشية ابن عابدين –وهو من فقهاء الاحناف الكبار أصحاب الاجتهاد وإعمال العقل والرأي- يذكر بوضوح أنه إذا اختلف شخصان على طفل، أحدهما مسلم يدّعي أنه عبدٌ له، والآخر من أهل الذمة يدّعي أنه ابنٌ له، فإنه يجب على القاضي أن يحكم لغير المسلم، لأن تنشئة الطفل على الحُرية وإن كانت في غير الاسلام أولى وأقوى وأرجح من تنشئة طفل على العبودية في ظل الاسلام، فعندما يعيش الانسان حُرا يصبح مبدعا فلا ابداع بلا حرية، ولاعقل بلا حرية، وكرامة بلا حرية، وعندما يعيش الانسان حرا يعرف حقوقه ويتقدم بأمته ووطنه.
في النشيد البريطاني الملكي يقولون (ليحفظ الله الملكة... لتستطيع الدفاع عن قوانيننا وحقوقنا... وتبيان الأسباب دائما لنا... للغناء بكل قلب لها... وبصوت عال... ليحفظ الله الملكة) لاحظوا معي ارتباط الحب والتقدير بالدفاع عن الحقوق والقوانين، وليس بتوزيع المعاطف، والتدخل لرأب صدع في سقف مدرسة هنا أو هناك، أو تعبيد طريق تشقّق بفعل الفساد بعد شهرين، أو التدخل لنقل مريض بطائرة خاصة من هذه المنطقة الى تلك، بالمناسبة سألني ابني سؤالا مُحرجا؟ من دفع ثمن المعاطف فقلت له نحن يا بُني (من ضرائبنا)، ثم سألني سؤالا آخر؟ لماذا لدينا فقراء؟ فلم أستطع الاجابة.