فائدة المشاورات التي كانت بين الديوان الملكي ومجلس النواب كبيرة جدا، فرغم فشلها في إتمام عملية الخلق القصري لحكومة برلمانية إلا أنها كشفت من عيوب الطريق الكثير.
من ناحية تأكد الجمهور الاردني أن الإدارة الحاكمة لا تريد الإصلاح، وأنها باتت كيانا صوّانيا متكلسا لا يعرف الا طريق إعادة إنتاج نفسه دون نظر لغيره.
صحيح أن الادارة الحاكمة( الطبقة السياسية) لا بنية ثابتة لها، الا انها تتحد في مواقفها الرافضة للتغيير وفي تحايلها على الاصلاح، وتختلف فقط في تفاصيل هامشية لا تخرج عن قصة توزيع المغانم.
المشاورات اثبتت أيضا ان الزمرة التي تدير البلد ما زالت لم تدرك حجم التحديات وطبيعتها وفاعيلها المحتملة، كما أنها تتغاضى وبقوة عن الحلول الموضوعية لكل تلك الأزمات.
هذه الطبقة السياسية مستهترة وما زالت لم تعترف حتى الان بأخطائها وانها مسؤولة عن كل بلاوينا السياسية والاقتصادية، وان فرصة عظيمة تلوح لها بالأفق حيث ترحل بهدوء ومرحلية.
مداولات بسمان أكدت ان هناك مشكلات عويصة ترتبط بتطور الدولة الاردنية، فقد ثبت بما لا نقاش حوله ان دولتنا تعيش درجة مفرطة في التمركز والاحتكار المتعدد.
أثبتت المشاورات ان وضع العربة أمام الحصان لن يجر علينا الا الفشل والانكشاف أمام الرياح العاتية، فلا واقعية في حوار بين نواب هم من منتجات قانون إحياء الهويات الفرعية، وبين طبقة حاكمة ما زالت تؤمن بالاستبداد.
المشاورات كانت وصفة فاشلة لمحاولة تريد ثلم حدة الاحتجاج الشعبي وصولا الى احتوائه، وانتهاء ببناء نسيج حاكم مكرور لا يحمل نهجا جديدا ولا وجوها حتى.
سير النقاش في قصر بسمان وتعامل النواب معه وتفكك الكتل وتشكلها اللحظي تبعا له، اثبت انهيار يوتوبيات الحكومة البرلمانية، واثبت فقدان المعنى لكل ما يقال عن صيغة الاصلاح الرسمية.
فشل المشاورات لا يعني غياب نضجنا السياسي، ولا يعني ان يتطوع البعض للتزمير والتطبيل باتجاه ان الصيغة السابقة ( التعين المجرد من الملك) ما زالت هي الأصلح.
على العكس تأكد ان المشكلة بالبيئة والتشريعات الناظمة، وهنا استفدنا بعد سقوط المشاورات ان التعديلات الدستورية وقانون الانتخاب العصري هما الحل والوصفة.