إذا لم يستطع البرلمان أن يستعيد دوره، وأن يتبنى قضايا الناس ويدافع عنها فإن خيار "الشارع” سيظل حاضراً.
صحيح أن ثمة من لديه تحفظات على العملية الانتخابية ومخرجاتها، وان آخرين لديهم شكوك بقدرة النواب الجدد على ممارسة استقلاليتهم وتحسين أدائهم، لكن الصحيح - أيضا - ان "الفرصة” ما زالت مفتوحة امام النواب لتقديم صورة اخرى تنسجم مع التحولات التي يشهدها بلدنا وتطلعات المجتمع الى "التغيير” و بناء "سياسات” جديدة تحسم الجدل حول مجمل الملفات الاقتصادية والسياسية التي رتبت على المواطن ما يعانيه من أعباء، سواء على مستوى تكاليف حياتية ومعيشية، أو على مستوى "الهمّ” العام الذي يمسّ القضايا الكبرى والأولويات الوطنية.
أخطر ما يمكن أن نتوقعه هو أن يتعامل النواب مع استحقاقات اللحظة بمنطق "الحسابات” الذاتية، وأن يحذو حذو "السابقين” بتمرير قرارات تستفز الناس، أو تستغفلهم أو تتعارض مع مصالحهم، وإذا ما حدث ذلك فإن "الحراكات” التي تراجعت على مدى الشهور الثلاثة الماضية ستندفع الى الشارع، وستجد أصواتها صدى لدى الأغلبية الصامتة، وسنخسر بالتالي فرصة "التهدئة” التي يراهن البعض عليها كممر لمرحلة انتقالية، ذلك ان قراءة المشهد السياسي الذي لم يستكمل حتى الآن رغم مرور عامين على بداية "الفورات” الشعبية، تشير الى ان "قناعة” الناس ما تزال "معلقة” بانتظار اجابات واضحة وحقيقية على اسئلتهم التي ترددت في الفضاء السياسي، كما تشير الى استمرار حالة "السيولة” السياسية ما يفتح المجال أمام مفاجآت قد تكون غير محسوبة، لا سيما فيما يتعلق بردود فعل المواطن على مقررات تمس حياته بشكل مباشر، أو على إجراءات تتعاكس مع توقعاته ومطالبه.
النواب اليوم - إذن - أمام امتحان "الشارع”، وعلى ضوء أدائهم ستتحدد ملامح المرحلة القادمة، وربما تكون "محطة” المشاورات لاختيار رئيس الحكومة "حاسمة” بتقرير الحكم عليهم، ومعرفة اتجاه بوصلتهم، فإن اجتازوها بنجاح -أو بأقل الخسائر- أصبح بمقدورهم ان يتقدموا خطوة جديدة نحو مواجهة القضايا التي تثير غضب الناس واهتمامهم ايضا.. وأولها قضية "الفساد” والمتورطين فيه، وقضية "الاقتصاد” وبدائل حل أزماته المستعصية، وقضية الإدارة بما تتضمنه من "عدالة” في التوزيع والتعيين والتنمية.
لكن دور النواب قد يتجاوز ذلك، إذا ما أرادوا حقاً ان يؤسسوا لمرحلة سياسية جديدة، وبمقدورهم ان يتبنوا الدعوة "لإقامة” طاولة حوار وطني يشارك فيه الجميع، وتفتح فيه كل الملفات الوطنية للنقاش الصريح، ويفضي - بالضرورة - الى توافقات محددة ببرنامج زمني، يصار الى تنفيذها للخروج نهائياً من مرحلة "اللايقين” السياسي الى مرحلة "الوفاق” العام.
أعرف أن لدى بعض النواب "الرغبة” بإثبات حضورهم واستعادة ثقة الناس بهم، لكن الآمال والرغبات وحدها لا تكفي، كما أن "الماكينة” التشريعية والسياسية التي أفرزتهم ربما لا تتيح لهم استثمار الفرصة، ومع ذلك لا بد أن يتحدّوا كل المعوقات، وان يجتهدوا لإفراز "حالة” نيابية تتناغم مع "الشارع” اليقظ والمتأهب لتصعيد حراكاته واحتجاجاته.
وإذا ما خسروا في هذا الامتحان فإنهم سيتحملون مسؤولية ذلك.. وسيتركون لكل الذين تحفظوا على "الوصفة” التي انتجتهم فرصة الانقضاض عليهم.. وقصف عمر مجلسهم قبل الأوان.